المقذوف بذلك) أي بالقذف، لان حق الله تعالى فيه غالب ولذا لم يسقط بالعفو كما يأتي، بخلاف ما لو قال لآخر اقتلني فقتله حيث يسقط القصاص لأنه حقه، ويصح عفوه عنه. قوله: (وينزع عنه الفرو والحشو) لأنهما يمنعان وصول الألم، ومقتضى هذا أنه لو كان عليه ثوب ذو بطانة غير محشو لا ينزع. والظاهر أنه إن كان فوق قميص نزع لأنه يصير من القميص كالحشو أو قريبا منه، كذا في الفتح. قوله: (بخلاف حد شرب وزنا) فإنه فيهما يجرد من ثيابه كما مر. قوله: (لصدقه) لان معناه الحقيقي نفي كونه مخلوقا من مائه. واعترضهم في الفتح بأن في نفيه عن أبيه احتمال هذا مع احتمال المجاز وهو نفي المشابهة، وقد حكموا حالة الغضب فجعلوها قرينة على إرادة المعنى الثاني المجازي، ونفيه عن جده له معنى مجازي أيضا وهو نفي المشابهة، ومعنى آخر وهو نفي كونه أبا أعلى له بأن لا يكون أبوه مخلوقا من مائه بل زنت به جدته، وحالة الغضب تعين هذا الأخير، إذ لا معنى لاخباره في حالة الغضب بأنك لتخلق من ماء جدك، ولا مخلص إلا أن يوجد إجماع فيه على نفي التفصيل كالاجماع على ثبوته هناك اه. ملخصا.
قلت: وقد يجاب بالفرق، وهو أن نفيه عن أبيه قذ ف صريح لأنه المعنى الحقيقي، وحالة الغضب تنفي احتمال المجاز وهو المعاتبة بنفي المشابهة في الأخلاق، فقد ساعدت القرينة الحقيقة، بخلاف نفيه عن جده فإن معناه الحقيقي ليس قذفا بل هو صدق، لكن القرينة وهي حالة الغضب تدل على إرادة القذف، فيلزم منه العدول عن الحقيقة إلى المجاز لاثبات الحد، وهو خلاف القاعدة الشرعية من أنه يحتاط في درئه لا في إثباته، على أنه لا مانع من أن يأتي في حالة الغضب بكلام موهم للشتم والسب بظاهره ويريد به معناه الحقيقي، احتيالا لدرء الحد عنه، ولصيانة ديانته من إرادة المنكر والزور الذي هو من السبع الموبقات، بل حال المسلم يقتضي ذلك، بخلاف نفيه عن أبيه، فإنه قذف صريح بحقيقته مع زيادة القرينة كما قلنا، ففي العدول عنه تفويت حق المقذوف بلا موجب، هذا ما ظهر لي، فتدبره. قوله: (وبنسبته إليه) أي إلى جده بأن قال له أنت ابن فلان لجده. قوله: (لأنهم آباء مجازا) أما الجد فلانه الأب الاعلى، وأما الخال فلما أخرجه الديلمي في الفردوس عن ابن عمر مرفوعا: الخال والد من لا والد له. وأما العم، فلقوله تعالى:
* (وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) * (سورة البقرة الآية 331) فإن إسماعيل كان عما ليعقوب عليهم السلام. وأما الراب فللتربية، وقيل: في قول نوح: * (ابني من أهلي) * (سورة هود: الآية 54) إنه كان ابن امرأته. أفاده في الفتح. قوله: (ولا بقوله: يا ابن ماء السماء) لأنه يراد به التشبيه في الجود والسماحة، لان ماء السماء لقب به عامر بن حارثة الأزدي، لأنه في وقت القحط كان يقيم ماله مقام القطر فهو كالسماء عطاء وجودا، وتمام في الفتح. قوله: (وفيه نظر) لان حالة الغضب تأتي عن قصد التشبيه كما قاله ابن كمال.
قلت: وقد أورد هذا في الفتح سؤالا. وأجاب عنه بأنه لما لم يعهد استعماله لنفي النسب يمكن أن يجعل المراد به في حالة الغضب التهكم به عليه كما قلنا في قوله لست بعربي، لما لم يستعمل للنفي يحمل في حالة الغضب على سبه بنفي الشجاعة والسخاء ليس غير اه.