ثم اعلم أن الزنا في الشرع أعم مما يوجب الحد، وما لا يوجبه وهو الوطئ في غير الملك وشبهته، حتى لو وطئ جارية ابنه لا يحد للزنا ولا يحد قاذفه بالزنا، فدل على أن فعله زنا وإن كان لا يحد به كما قدمناه عن الفتح أول الحدود.
وأما لو وطئ جاريته قبل الاستبراء فليس بزنا، لأنه فحقيقة الملك كوطئ زوجته الحائض، وإنما هو وطئ محرم لعارض، والزنا لا بد أن يكون وطئا محرما لعينه كما يأتي بيانه عند قوله: أو رجل وطئ في غير ملكه ولهذا قال مسكين: قوله عفيفا عن الزنا احتراز عن الوطئ الحرام في الملك، فإنه لا يخرج الواطئ عن أن يكون محصنا اه. فما قيل إنه لا يصح أن يراد بالزنا هنا المصطلح ولا غيره: غير صحيح، فافهم. قوله: (فينقص عن إحصان الرجم بشيئين) الأولى شيئين بدون الباء الجارة لان نقص يتعدى بنفسه. أفاده ط. هذا، وقدمنا أن شروط الاحصان تسعة فتدبره.
قوله: (وبقي من الشروط الخ) قلت: بقي منها أيضا على ما في شرح الوهبانية: أن لا يكون أم ولده الحرة الميتة، وأن لا يكون أم عبدة الحرة الميتة، وأن يطلب المقذوف الحد، وأن لا يموت قبل أن يحد القاذف لان الحدود لا تورث. قوله: (أن لا يكون) أي المقذوف وولد القاذف. قوله: (أو أخرس) لأنه لا بد فيه من الدعوى، وفي إشارة الأخرس احتمال يدرأ به الحد. قوله: (أو مجبوبا) هو مقطوع الذكر والأنثيين جميعا كما فسروه في باب العنين، ولا يخفى أن مقطوع الذكر وحده مثله اه ح. ووجهه أن الزنا منه لا يتصور فلم يلحقه عار بالقذف لظهور كذب القاذف. تأمل. قوله:
(أو خصيا) بفتح الخاء: من سلت خصيتاه وبقي ذكره، والشارح تبع في التعبير به صاحب النهر، وهو وهم سري من ذكر المجبوب لتقارنهما في الخيال. قال في المحيط: بخلاف ما لو قذف خصيا أو عنينه، لان الزنا منهما متصور لان لهما آلة الزنا اه ح. قوله: (أو ملك فاسد) كذ في شرح الوهبانية عن النتف، وتبعه المصنف في المنح، وهو خلاف نص المذهب. ففي كافي الحاكم:
رجل اشترى جارية شراء فاسدا فوطئها ثم قذفه إنسان قال على قاذفه الحد اه. ومثله في القهستاني، وكذا في الفتح قال: لأن الشراء الفاسد يوجب الملك، بخلاف النكاح الفاسد لا يثبت فيه ملك، فلذا يسقط إحصانه بالوطئ فيه فلا يحد قاذفه اه. ونحوه في ح عن المحيط.
قلت: وقد يجاب بأن المراد بالملك الفاسد ما ظهر فيه فساد الملك بالاستحقاق. ففي الخانية: اشترى جارية فوطئها ثم استحقت فقذفه إنسان لا يحد. قوله: (حتى لو ارتد) وكذا لو زنى أو وطئ وطئا حراما أو صار معتوها أو أخرس أو بقي كذلك لم يحد القاذف كافي الحاكم.
تنبيه: ذكر في النهر عن السراجية أنه لو قذف خنثى بلغ مشكلا لا يحد. قال: ووجهه أن نكاحه موقوف وهو لا يفيد الحل اه.
واعترضه الحموي بأنه لا دخل للنكاح البات المفيد للحل في إيجاب حد القذف حتى يترتب على عدمه عدم وجوب الحد، وإنما ذاك في حد الزنا بالرجم اه.
قلت: مراد النهر أن الخنثى لو تزوج ودخل فقذفه آخر لا يحد لأنه وطئ في غير ملكه، إذ لا