شربه لا يحد به إلا إذا سكر به، وعبر بما المفيدة للتعميم إشارة إلى خلاف الزيلعي حيث خصه بالأنبذة الأربعة المحرمة بناء على قولهما. وعند محمد: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وهو نجس أيضا. قالوا: وبقول محمد نأخذ. وفي طلاق البزازية: لو سكر من الأشربة المتخذة من الحبوب والعسل المختار في زماننا لزوم الحد اه. نهر.
قلت: وما ذكره الزيلعي تبع فيه صاحب الهداية، لكنه في الهداية من الأشربة ذكر تصحيح قول محمد، فعلم أن ما مشى عليه هنا غير المختار كما في الفتح. وقد حقق في الفتح قول محمد:
إن ما أسكر كثيره حرم قليله، وأنه لا يلزم من حرمة قليله أنه يحد به بلا إسكار كالخمر خلافا للأئمة الثلاثة، وأن استدلالهم على الحد بقليله بحديث مسلم كل مسكر خمر وبقول عمر في البخاري:
الخمر ما خامر العقل وغير ذلك لا يدل على ذلك، لأنه محول على التشبيه البليغ كزيد أسد، والمراد به ثبوت الحرمة، ولا يلزم منه ثبوت الحد بلا إسكار، وكون التشبيه خلاف الأصل أوجب المصير إليه قيام الدليل عليه لغة وشرعا، ولا دليل لهم على ثبوت الحد بقليله سوى القياس ولا يثبت الحد به، نعم الثابت الحد بالسكر منه، وقد أطال في ذلك إطالة حسنة، فجزاه الله خيرا، ويأتي حكم البنج والأفيون والحشيش. قوله: (بكونه في دارنا) أي ناشئا فيها. قوله: (لما قالوا الخ) تعليل لتفسير العلم الحكمي بكونه في دارنا، لكن بالمعنى الذي ذكرناه لا بمجرد الكون في دارنا، وإلا لم يوافق التعليل المعلل. ويوضح المقام ما في كافي الحاكم الشهيد من الأشربة حيث قال: وإذا أسلم الحربي وجاء إلى دار الاسلام ثم شرب الخمر قبل أن يعلم أنها محرمة عليه لم يحد، وإن زنى أو سرق أخذ بالحد ولم يعذر بقوله لم أعلم. وأما المولود بدار الاسلام إذا شرب الخمر وهو بالغ فعليه الحد ولا يصدق أنه لم يعلم. قوله: (قلت يرد عليه الخ) أي على ما يفهم من قولهم لحرمته: أي الزنا في كل ملة حيث جعلوه وجه الفرق بين الشرب والزنا، فإنه يفهم منه أن الشرب لا يحرم في كل ملة مع أنه مناف لما مر من حرمته كذلك. ودفع بأن المحرم في كل ملة هو السكر لا نفس الشرب، والمراد التفرقة بين الشرب والزنا.
قلت: وفيه نظر، فإن قولهم فشرب الخمر جاهلا بالحرمة لا يحد أعم من أن يكون سكر من هذا الشرب أو لا، بل المتبادر السكر، ولو كان المراد الشرب بلا سكر لكان الواجب تقييده، أو كان يقال فشرب قطرة نعم قد يدفع أصل الايراد بمنع حرمة السكر في كل ملة لما قدمناه، فافهم.
تتمة: لو شرب الحلال ثم دخل الحرم حد، لكن لو التجأ إلى الحرم لم يحد لأنه قد عظمه، بخلاف ما إذ شرب في الحرم لأنه قد استخفه. قهستاني عن العمادي. ويأتي أنه لو شرب في دار الحرب لا يحد. فعلم من مجموع ذلك أنه لا يحد للشرب عشرة: ذمي على المذهب، ومرتد وإن شرب قبل ردته وإن أسلم بعد الشرب وصبي، ومجنون وأخرس ومكره، ومضطر لعطش مهلك، وملتجئ إلى الحرم، وجاهل بالحرمة حقيقة وحكما، ومن شرب في غير دارنا، وبه يعلم شروط الحد هنا. قوله: (بعد الإفاقة) أي الصحو من السكر، وهو متعلق بقوله يحد مسلم. قوله: (فظاهره أنه يعاد) جزم به في البحر. قال في الشرنبلالية: وفيه تأمل اه. وبين وجهه فيما نقل عنه بأن الألم