وبما قررناه ظهر لك أن ما ذكر هنا في تعريف الجهر والمخافتة، ومثله في سهو المنية وغيره مبني على قول الهندواني، لان أدنى الحد الذي توجد فيه القراءة عند خروج الصوت يصل إلى أذنه: أي ولو حكما، كما لو كان هناك مانع من صمم أو جلبة أصوات أو نحو ذلك، وهذا معنى قوله: أدنى المخافتة إسماع نفسه، وقوله: ومن بقربه، تصريح باللازم عادة كما مر. وفي القهستاني وغيره: أو من بقربه، بأو، وهو أوضح ويبتني على ذلك أن أدنى الجهر إسماع غيره أي ممن لم يكن بقربه بقرينة المقابلة، ولذا قال في الخاصة والخانية عن الجامع الصغير: إن الامام إذا قرأ في صلاة المخافتة بحيث سمع رجل أو رجلان لا يكون جهرا، والجهر أن يسمع الكل ا ه: أي كل الصف الأول لا كل المصلين، بدليل ما في القهستاني عن المسعودية أن جهر الامام إسماع الصف الأول اه.
وبه علم أنه لا إشكال في كلام الخلاصة، وأنه لا ينافي كلام الهندواني، بل هو مفرع عليه بدليل أنه في المعراج نقله عن الفضلي، وقد علمت أن الفضلي قائل بقول الهندواني. فقد ظهر بهذا أن أدنى المخافتة إسماع نفسه أو من بقربه من رجل أو رجلين مثلا، وأعلاها تصحيح الحروف كما هو مذهب الكرخي، ولا تعتبر هنا في الأصح وأدنى الجهر إسماع غيره ممن ليس بقربه كأهل الصف الأول، وأعلاه لا حد له، فافهم واغنم تحرير هذا المقام، فقد اضطرب فيه كثير من الافهام.
قوله: (ويجري ذلك المذكور) يعني كون أدنى ما يتحقق به الكلام إسماع نفسه أو من بقربه. قوله:
(لم يصح في الأصح) أي الذي هو قول الهندواني. وأما على قول الكرخي فيصح وإن لم يسمع نفسه لاكتفائه بتصحيح الحروف كما مر. قوله: (وقيل الخ) قال في الذخيرة معزيا إلى القاضي علاء الدين في شرح مختلفاته: الأصح عندي أن بعض التصرفات يكتفي بسماعه، وفي بعضها يشترط سماع غيره مثلا في البيع: لو أدنى المشتري صماخه إلى فم البائع وسمع يكفي، ولو سمع البائع نفسه ولم يسمعه المشتري لا يكفي، وفيما إذا حلف لا يكلم فلانا فناداه من بعيد بحيث لا يسمع لا يحنث في يمينه، نص عليه في كتاب الايمان، لان شرط الحنث وجود الكلام معه ولم يوجد ا ه.
قال في النهر: أقول: ينبغي أن يكون الحكم كذلك في كل ما يتوقف تمامه على القبول ولو غير مبادلة كالنكاح ا ه. ولم يعول الشارح على هذا القول فعبر عنه بقيل تبعا للفتح، حيث قال: قيل الصحيح في البيع الخ، وكذا عبر عنه في الكافي إشارة إلى ضعفه كما في الشرنبلالية، لكن الأول ارتضاه في الحلية والبحر، وهو أوجه بدليل المسألة المنصوصة في كتاب الايمان، لان الكلام من الكلم وهو الجرح، وسمي به لأنه يؤثر في نفس السامع فتكليمه فلانا لا يحصل إلا بسماعه، وكذا اشتراط سماع الشهود كلام العاقدين في النكاح وسماع التلاوة في وجوب السجدة على السامع ونحو ذلك مما اشترط فيه سماع الغير. تأمل. قوله: (مثلا) زاده ليعم ما لو تركها في ركعة واحدة، وهل يأتي بها في الثالثة أو الرابعة؟ يحرر، وليعم غير العشاء كالمغرب، فإنه لو تركها في إحدى أولييها