قوله: (ولو زاد لا بأس) أي لو ضم إليها سورة لا بأس به، لان القراءة في الأخريين مشروعة من غير تقدير، والاقتصار على الفاتحة مسنون لا واجب، فكان الضم خلاف الأولى وذلك لا ينافي المشروعية، والإباحة بمعنى عدم الاثم في الفعل والترك كما قدمناه في أوائل بحث الواجبات، وبه اندفع ما أورده في النهر هنا على البحر من دعوى المنافاة. قوله: (وصحح العيني وجوبها) هذا مقابل ظاهر الرواية، وهو رواية الحسن عن الامام وصححهما ابن الهمام أيضا من حيث الدليل، ومشى عليها في المنية فأوجب سجود السهو بترك قراءتها والإساءة بتركها عمدا، لكن الأصح عمده لتعارض الاخبار كما في المجتبى، واعتمده في الحلية. قوله: (وسكوت قدرها) أي قدر ثلاث تسبيحات. قوله: (وفي النهاية قدر تسبيحة قال شيخنا: وهو أليق بالأصول. حلية: أي لان ركن القيام يحصل بها لما مر الركنية تتعلق بالأدنى. قوله: (فلا يكون مسيئا بالسكوت على المذهب إلخ) اعلم أنهم اتفقوا في ظاهر الرواية على أن قراءة الفاتحة أفضل، وعلى أنه لو اقتصر على التسبيح لا يكون مسيئا، وأما لو سكت فصرح في المحيط بالإساءة وقال: لان القراءة فيهما شرعت على سبيل الذكر والثناء، ولهذا تعينت الفاتحة للقراءة لان كلها ذكر وثناء، وإن سكت عمدا أساء لترك السنة، ولو وساهيا لا سهو عليه، وصرح غيره بالتخيير بين الثلاثة في ظاهر الرواية وعدم الإساءة بالسكوت. قال في البدائع والصحيح جواب ظاهر الرواية، لما روينا عن علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يقولان: المصلي بالخيار في الأخريين، إن شاء قرأ، وإن شاء سكت وإن شاء سبح، وهذا باب لا يدرك بالقياس، فالمروي عنهما كالمروي عن النبي (ص) ا ه.
وفي الخانية: وعليه الاعتماد. وفي الذخيرة: هو الصحيح من الرواية. ورجح ذلك في الحلية بما لا مزيد عليه فارجع إليه.
والحاصل أن عند صاحب المحيط يكره السكوت لترك سنة القراءة، فالقراءة عنده سنة، لكن لما شرعت على وجه الذكر حصلت السنة بالتسبيح، فيخير بينهما وهو ما مشى عليه المصنف، فالقراءة أفضل بالنظر إلى التسبيح، وسنة بالنظر إلى السكوت، حتى لو سبح ترك الأفضل، ولو سكت أساء لترك السنة وما يقوم مقامها. وأما عند غير صاحب المحيط فلا يكره السكوت، لثبوت التخيير بين الثلاثة، فصارت القراءة أفضل بالنظر إلى التسبيح. وإلى السكوت، فقد اتفق الكل على أفضلية القراءة، وإنما اختلفوا في سنيتها بناء على كراهة السكوت وعدمها، وقد علمت أن الصحيح المعتمد التخيير بين الثلاثة، وبه تعلم ما في عبارة الشارح حيث قال أولا: إن الفاتحة سنة على الظاهر، فإنه مبني على ما في المحيط، ثم مشى على خلافه حيث اعتمد التخيير بين الثلاثة، فزاد على المصنف السكوت وقال: إنه لا يكون مسيئا به، فاغتنم هذا التحرير الفريد، وما نقلته عن البدائع والذخيرة والخانية رأيته فيها وفي غيره، وذكرت نصوصها فيما علقته على البحر، فلا تعتمد على ما نقل عنها مخالفا لذلك، فافهم.
ثم اعلم أن اتفاقهم على أفضلية الفاتحة لا ينافي التخيير، إذ لا مانع من التخيير بين الفاضل والأفضل كالحلق مع التقصير.
تنبيه: ظاهر كلام المتون وغيرها أن الفاتحة مقروءة على وجه القرآن. وفي القهستاني قال علماؤنا: إنها تقرأ بنية الثناء لا القراءة ا ه. ونقل في المجتبى عن شمس الأئمة أنه الصحيح، لكن