وعلى الأول، فالمراد به المقابل للظن كما هو اصطلاح الأصولي. قال صدر الشريعة في التوضيح: وما قيل إن الفقه ظني أطلق العلم عليه؟ فجوابه: أولا، أنه مقطوع به، فإن الجملة التي ذكرنا أنها فقه وهي ما قد ظهر نزول الوحي به وما انعقد الاجماع عليه قطعية.
وثانيا، أن العلم يطلق على الظنيات وتمامه فيه فافهم.
والاحكام جمع حكم، قيل هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين. ورده صدر الشريعة بأن الحكم المصطلح عليه عند الفقهاء ما ثبت بالخطاب كالوجوب والحرمة مجازا كالخلق على المخلوق ثم صار حقيقة عرفية. وخرج بها العلم بالذوات والصفات والافعال، والمراد بالشرعية كما في التوضيح ما لا يدرك لولا خطاب الشارح، سواء كان الخطاب بنفس الحكم أو بنظيره المقيس هو عليه كالمسائل القياسية، فيخرج عنها مثل وجوب الايمان والاحكام المأخوذة من العقل كالعلم بأن العالم حادث، أو من الحس كالعلم بأن النار محرقة، أو من الوضع والاصطلاح كالعلم بأن الفاعل مرفوع، والمراد بالفرعية المتعلقة بمسائل الفروع، فخرج الأصلية ككون الاجماع أو القياس حجة.
وأما الاعتقادية ككون الايمان واجبا فخرج بالشرعية كما تقدم، فافهم. وقوله عن أدلتها (1) أي ناشئا عن أدلتها حال من العلم: إي، أدلتها الأربعة المخصوصة بها وهي: الكتاب والسنة والاجماع والقياس، فخرج علم المقلد، فإنه وإن كان قول المجتهد دليلا له لكنه ليس من تلك الأدلة المخصوصة، وخرج ما لم يحصل بالدليل كعلم تعالى وعلم جبريل عليه السلام قال في البحر: واختلف في علم النبي (ص) الحاصل عن اجتهاد، هل يسمى فقها؟ والظاهر أنه باعتبار أنه دليل شرعي لا يسمى فقها، وباعتبار حصوله عن دليل شرعي يسمى فقها اصطلاحا اه.
وأما المعلوم من الدين بالضرورة مثل الصوم والصلاة، فقيل إنه ليس من الفقه، إذ ليس حصوله بطريق الاستدلال وجعله في التوضيح منه، ولعل وجهه أن وصوله إلى حد الضرورة عارض لكونه صار من شعار الدين، فلا ينافي كونه في الأصل ثابتا بالدليل، إذ ليس هو من الضروريات البديهية التي لا تحتاج إلى نظر واستدلال ككون الكل أعظم من الجزء، نعم يحتاج إلى إخراجه على قول من خص الفقه بالظني، وقوله (التفصيلية) تصريح بلازم كما حققه في التحرير، وغلط من جعله للاحتراز، وفي هذا المقام تحقيقات ذكرتها في [منحة الخالق فيما علقته على البحر الرائق]. قوله: (وعند الفقهاء الخ) قال في البحر: فالحاصل، أن الفقه في الأصول علم الاحكام من دلائلها كما تقدم، فليس الفقيه إلا المجتهد عندهم، وإطلاقه على المقلد الحافظ للمسائل مجاز. وهو حقيقة في عرف الفقهاء بدليل انصراف الوقت والوصية الفقهاء إليهم. وأقله ثلاثة أحكام كما في المنتفى.
وذكر في التحرير أن الشائع إطلاقه على من يحفظ الفروع مطلقا: يعني سواء كانت بدلائلها أو لا اه. لكن سيذكر في باب الوصية للأقارب أن الفقيه من يدقق النظر في المسائل وإن علم ثلاث مسائل مع أدلتها، حتى قيل: من حفظ ألوفا من المسائل لم يدخل تحت الوصية اه. لكن الظاهر أن هذا حيث لا عرف، وإلا فالعرف الأن هو ما ذكر في التحرير أنه الشائع. وقد صرح الأصوليون بأن الحقيقة تترك بدلالة العادة، وحينئذ فينصرف في كلام الواقف والموصي إلى ما هو المتعارف في