ثم إنه يظهر من جماعة منهم الشهيدان: إن المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله، بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلامة. وليس مرادهم أنه لا قصد له إلا إلى مجرد التكلم، كيف والهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعنى قصدا صوريا، والخالي عن القصد إلى غير التكلم هو من يتكلم تقليدا أو تلقينا كالطفل الجاهل بالمعاني. فالمراد بعدم قصد المكره عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج وأن الداعي له إلى الانشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج، لا أن كلامه الانشائي مجرد عن المدلول، كيف وهو معلول الكلام الانشائي إذا كان مستعملا غير مهمل. وهذا الذي ذكرنا لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمل في معنى الاكراه لغة وعرفا وأدنى تتبع فيما ذكره الأصحاب في فروع الاكراه التي لا يستقيم مع ما توهمه من خلو المكره عن قصد مفهوم اللفظ وجعله مقابلا للقصد وحكمهم بعدم وجوب التورية في التفصي عن الاكراه وصحة بيعه بعد الرضا واستدلالهم له بالأخبار الواردة في طلاق المكره وأنه لا طلاق إلا مع إرادة الطلاق حيث إن المنفي صحة الطلاق لا تحقق مفهومه لغة وعرفا وفيما ورد فيمن طلق مداراة بأهله إلى غير ذلك.
وفي أن مخالفة بعض العامة في وقوع الطلاق اكراها لا ينبغي أن تحمل على الكلام المجرد عن قصد المفهوم الذي لا يسمى خبرا ولا انشاء، وغير ذلك مما يوجب القطع بأن المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد، ومضمونه في الواقع وعدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام، ويكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من أن المكره والفضولي قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله.
نعم ذكر في التحرير والمسالك في فروع المسألة ما يوهم ذلك قال في التحرير لو أكره على الطلاق فطلق ناويا، فالأقرب وقوع الطلاق إذ لا اكراه على القصد، انتهى.
وبعض المعاصرين [صاحب الجواهر] بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهم كلامهم فرد عليهم بفساد المبنى وعدم وقوع الطلاق في الفرض المزبور لكن المتأمل يقطع بعدم إرادتهم لذلك وسيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به.