وتعليق الحكم عن الوصف يشعر بالعلية بل يدل عليها. فيعلم بذلك أن الملاك في وجوب القتال أو جوازه هو البغي والطغيان، سواء كان من ناحية طائفة على أخرى، أو من ناحية الأفراد أو الطوائف على الولاة، أو من ناحية الولاة على الأمة. ولذلك ترى أنه مع كون المنصوص في الآية هو بغي طائفة على أخرى تعدى الأصحاب و الفقهاء منه إلى بغي الفرد أو الطائفة على الإمام. ومن لفظ الآية الشريفة اقتبسوا اسم البغاة.
نعم، يمكن المناقشة في استفادة الوجوب من الأمر في الآية، إذ الأمر الواقع في مقام توهم الحظر لا يستفاد منه أزيد من الجواز، ولكن الجواز يكفينا في المقام.
فإن قلت: مورد آية البغي، وكذا آية المحاربة التي مرت هو صورة وجود الهجوم وإشعال نار الفتنة والحرب فعلا، فحكم الله - تعالى - بإطفائها بالقتال والجزاء. وأما الحاكم الجائر فهو لتسلطه خارجا لا يحتاج إلى الحرب والهجوم، بل الخروج عليه إشعال لنائرة الحرب، وموجب لإراقة الدماء وتلف الأموال والنفوس، فلا مجال للتمسك بالآيتين في المقام.
قلت: تنفيذ مقررات الإسلام وبسط الحق والعدالة وحفظ الحدود والحقوق من أهم أهداف الإسلام وواجباته، فإذا انحرف الحاكم عن مسير الحق والإسلام وضيع الحدود والحقوق وإن تسمى باسم الإسلام فلا محالة يحصل في نطاق حكمه وملكه الفساد والفحشاء والبغي على الضعفة كثيرا، بل ربما خيف منه ومن عماله على بيضة الإسلام وكيان المسلمين، وأي بغي أشد وأفحش من ذلك؟
والمراجع إلى الكتاب والسنة وإلى تاريخ صدر الإسلام يظهر له أن حفظ الإسلام وبسطه وحفظ الحدود والحقوق من أهم الفرائض، فيجب السعي فيه وفي رفع الفساد وإن استلزم ذلك فداء الأموال والنفوس في هذا الطريق. هذا.