الربيع وقد كان يأكل معه، فجاءه لبيد الشاعر - وهو غلام - مع قومه للانتقام من الربيع في قصة مشهورة في مجامع الأمثال، فقال لبيد مخاطبا للنعمان:
مهلا! أبيت اللعن لا تأكل معه * إن استه من برص ملمعه وإنه يدخل فيها إصبعه * يدخلها حتى يواري اشجعه فرفع النعمان يده من الطعام وتنكر لنديمه هذا، وأبى أن يستكشف صدق هذا القول فيه، بالرغم على إلحاحه، وقال له ما ذهب مثلا من أبيات:
قد قيل ذلك إن حقا وإن كذبا * فما اعتذارك من قول إذا قيلا (1) واعتبر ذلك أيضا في تصوير الإنسان بهذه الصورة اللفظية البشعة " أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة. وهو ما بين ذلك يحمل العذرة ". فإن هذه صورة حقيقية للإنسان، ولكنها ليست كل ما له من صور، وللنفس على كل حال محاسنها التي ينبغي أن يعجب بها، لا سيما من صاحبها، وإعجاب المرء بنفسه وحبه لها أساس حياته كلها. ولكن مثل ذلك التصوير البشع يأخذ من النفس أثره من التنفر والاشمئزاز، حتى لو كان أبعد شئ في التأثير في التصديق والاعتقاد بحقارة النفس. وسبب هذا التأثر النفسي هو التخيل الذي قد يقلع المتكبر عن غطرسته ويخفف من إعجابه بنفسه. وهذا هو المقصود من مثل هذه الكلمة.
واعتبر أيضا بالشعر العربي، فكم رفع وضيعا أو وضع رفيعا! وكم أثار الحروب وأورى الأحقاد! وكم قرب بين المتباعدين وآخى بين المتعادين!
ورب بيت صار سبة لعشيرة وآخر صار مفخرة لقوم! على أن كل ذلك لم يغير واقعا ولا اعتقادا. ومرد ذلك كله إلى الانفعالات النفسية وحدها، وقد قلنا: إنها أعظم تأثيرا على الجمهور الذي هو عاطفي بطبعه وعلى