وأما الفعلي: فمثل الصعود على مرتفع كالمنبر، فإن مشاهدة الخطيب لها أكبر الأثر في الإصغاء إليه وملاحقة تسلسل كلامه والانطباع بأفكاره وانفعالاته النفسية. ومثل الظهور بمنظر جذاب ولباس مقبول لمثله، فإن لذلك أيضا أثره البالغ في نفوس المخاطبين. ومثل الإشارات باليد والعين والرأس وحركات البدن وتقاطيع الوجه وملامحه، فإن كل هذه تعبر عن الانفعالات والمقاصد إذا أحسن الخطيب أن يضعها في مواضعها. وهكذا كل فعل له تأثير على مشاعر السامعين على نحو ما أشرنا إليه في الاستدراجات.
والعوام أطوع إلى الاستدراجات من نفس الكلام المعقول المنطقي، ولهذا السبب تجد أن المتزهد المتقشف يسيطر على نفوسهم وإن كان فاسد العقيدة أو غير مرضي القول أو سئ التصرفات.
ثم إنه ينبغي أن يجعل من باب الأخذ بالوجوه الذي يستعين به الخطيب على التأثير هو " الشعر " فإنه - كما سيأتي - آكد في التأثير على العواطف وأمكن في القلوب. فلا ينبغي أن تفوت الخطيب الاستعانة بالشعر، فيمزج به كلامه ويلطف به خطابه، لا سيما الأمثال والحكم منه، ولا سيما ما كان مشهورا لشعراء معروفين.
وسيأتي في البحث الآتي الكلام عن صناعة الشعر.
* * *