والقياس الاقتراني هكذا:
الصغرى (نفس نتيجة القياس السابق) حصول هذا الأثر معلول لعلة الكبرى (بديهية أولية) كل معلول لعلة يمتنع تخلفه عنها ينتج من الشكل الأول / هذا الأثر يمتنع تخلفه عن علته وهاتان المقدمتان للاستثنائي بديهيتان، وكذا كبرى الاقتراني، فرجع الحكم في القضايا المجربات إلى القضايا الأولية والمشاهدات في النهاية.
ثم لا يخفى أنا لا نعني من هذا الكلام أن كل تجربة تستلزم حكما يقينيا مطابقا للواقع، فإن كثيرا من أحكام سواد الناس المبنية على تجاربهم ينكشف خطأهم فيها، إذ يحسبون ما ليس بعلة علة، أو ما كان علة ناقصة علة تامة، أو يأخذون ما بالعرض مكان ما بالذات.
وسر خطئهم أن ملاحظتهم للأشياء في تجاربهم لا تكون دقيقة على وجه تكفي لصدق المقدمة الثانية للقياس الاستثنائي المتقدم، لأنه قد يكون حصول الأثر في الواقع ليس دائميا فظن المجرب أنه دائمي اعتمادا على اتفاقات حسبها دائمية إما لجهل أو غفلة أو لقصور إدراك أو تسرع في الحكم، فأهمل جملة من الحوادث ولم يلاحظ فيها تخلف الأثر. وقد تكون ملاحظته للحوادث قاصرة، بأن يلاحظ حوادث قليلة وجد حصول الأثر مع ما فرضه علة، وفي الحقيقة أن العلة شئ آخر اتفق حصوله في تلك الحوادث، فلذا لم يتخلف الأثر فيها. ولو استمر في التجربة وغير فيما يجربه لوجد غير ما اعتقده أولا.
مثلا: قد يجرب الإنسان الخشب يطفو على الماء في عدة حوادث متكررة، فيعتقد أن ذلك خاصية في الخشب والماء، فيحكم خطأ أن كل خشب يطفو على الماء، ولكنه لو جرب بعض أنواع الخشب الثقيل الوزن لوجد أنه لا يطفو في الماء العذب، بل قد يرسب إلى القعر أو إلى وسط الماء، فإنه لا شك حينئذ يزول اعتقاده الأول. ولو غير التجربة في عدة