وقد يشاركه فيه بعض الحيوانات.
3 - ثم يتوسع في إدراكه إلى أكثر من المحسوسات، فيدرك المعاني الجزئية التي لا مادة لها ولا مقدار، مثل حب أبويه له وعداوة مبغضيه، وخوف الخائف (1)، وحزن الثاكل، وفرح المستبشر... وهذا هو " العلم الوهمي " يحصل عليه الإنسان كغيره من الحيوانات بقوة الوهم. وهي - هذه القوة - موضع افتراق الإنسان عن الحيوان، فيترك الحيوان وحده يدبر إدراكاته بالوهم فقط ويصرفها بما يستطيعه من هذه القوة والحول المحدود.
4 - ثم يذهب هو - الإنسان - في طريقه وحده متميزا عن الحيوان بقوة العقل والفكر التي لا حد لها ولا نهاية، فيدبر بها دفة مدركاته الحسية والخيالية والوهمية، ويميز الصحيح منها عن الفاسد، وينتزع المعاني الكلية من الجزئيات التي أدركها، فيتعقلها ويقيس بعضها على بعض، وينتقل من معلوم إلى آخر، ويستنتج ويحكم، ويتصرف ما شاءت له قدرته العقلية والفكرية.
وهذا العلم الذي يحصل للإنسان بهذه القوة هو العلم الأكمل الذي كان به الإنسان إنسانا، ولأجل نموه وتكامله وضعت العلوم والفت الفنون، وبه تفاوتت الطبقات واختلفت الناس.
وعلم المنطق وضع من بين العلوم لأجل تنظيم تصرفات هذه القوة خوفا من تأثير الوهم (2) والخيال عليها ومن ذهابها في غير الصراط المستقيم لها.