ولا مانع من أن تكون المعاوضة حقيقية مع ابتنائها على أمر ادعائي نظير المجاز الادعائي في الأصول، ويشكل بالفرق بين المقامين بأن المجاز الادعائي إنما لا ينافي الاستعمال الحقيقي لأنه يكفي في كون الاستعمال حقيقيا استعمال اللفظ في معناه الحقيقي وإن جعل المعنى مرآة لأمر غير حقيقي، ولا يكفي في إنشاء المعاوضة مجرد إحضار مفهوم المعاوضة وإن كان مرآة لغيره بل يكون المنشأ حينئذ ذلك الغير لأنه هو المقصود إنشاؤه وايجاده لا مفهوم المعاوضة لكون المفروض أن المفهوم إنما لوحظ مرآة وعبرة إلى غيره فمتعلق القصد هو ذلك الغير المحكي لا نفس الحاكي، ولذا كان استعمال الألفاظ المجازية في العقود والايقاعات لا يخرجها عن كونها إنشاء لمفاهيمها الحقيقية إلى كونها انشاء للمعاني الحقيقية لتلك الألفاظ فاستعمال لفظ البيع في عقد الإجازة لا يجعله انشاء للبيع لا للإجارة كما لعله ظاهر (والذي ينبغي) أن يقال: إن الغاصب إن كان يرى أنه مالك للعين بأن كان الغصب في نظره منشأ لاعتبار ملكيته لها فقصده البيع عن نفسه راجع إلى اعتباره ملكية الثمن لقيامه مقام المبيع الذي يراه مملوكا له، ومثله لا ينافي قصد المعاوضة، بل يلازمه، والذي ينافيه قصد ملكية الثمن لغيره الذي ليس مالكا للمبيع في نظره وإن كان لا يرى نفسه مالكا للعين المغصوبة بأن لا يكون الغصب في نظره منشأ لاعتبار الملكية حقيقة، فقصد كون البيع لنفسه ليس على الحقيقة بل على الادعاء، ومثله لا ينافي قصد المعاوضة الحقيقية وإنما الذي ينافيها قصد البيع لنفسه على الحقيقة، وبالجملة: إن كان المقصود من اشكال أن قصد المعاوضة الحقيقية لغير المالك مع الالتفات إلى ذلك ممتنع فهو في محله، وإن كان المقصود أن بيع الغاصب لنفسه - على ما هو المتعارف - أمر ممتنع فهو - مع أنه خلاف ضرورة العرف - ممنوع جدا لما عرفت إما لكون قصده لنفسه ليس على الحقيقة أو لأنه على الحقيقة في نظره، فلا ينافي قصد المعاوضة. فلاحظ (الوجه الثاني) من وجهي الاشكال أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فإن تعلقت الإجازة بهذا المضمون كان مقتضاها صيرورة الثمن للفضولي لا للمالك المجيز، وإن تعلقت بغيره لم تكن إجازة
(٢٢١)