بما به التفصي لم يكن اكراها لعدم الحمل عليه لا نفسيا ولا غيريا، ومجرد وقوعه عن خوف الأمر المتوعد به لا يكفي في صدق الاكراه ما لم يكن قد حمل عليه نظير ما لو باع داره خوفا من أن يغتصبها الظالم أو من أن يكرهه على بيعها على بعض أعوانه أو نحو ذلك فإن ذلك كله ليس من الاكراه في شئ لعدم الحمل المعتبر في مفهومه.
الاكراه في المحرمات (الرابع): قد عرفت أنه يعتبر في مفهوم الاكراه أن يكون المحمول عليه مكروها للمكره - بالفتح - وأن باعثية الحمل عليه بمناط ارتكاب أقل المحذورين وأهونهما وهذا المعنى يختلف باختلاف الأفعال المكره عليها فإن كان مما لا اقتضاء فيه شرعي بأن يكون مما يجوز فعله شرعا فكراهة الأمر المكره عليه وكراهة الأمر المخوف الذي يكون الأمر المكره أهون منه إنما هما بلحاظ الجهات النفسانية والدواعي الجبلية بلا دخل للشارع فيهما ويكون الحكم المرفوع هو الحكم الوضعي مثل الاكراه على البيع والطلاق ونحوهما وإن كان مما فيه اقتضاء شرعي كما لو كان محرما شرعا فكراهته وكراهة الأمر المخوف إنما هو بلحاظ الاقتضاء الشرعي فيهما فلو حمل على شرب الخمر لم يكن ذلك اكراها إلا بلحاظ كراهتها لكونها محرمة وإن ارتكابها أهون من الوقوع في محرم آخر ولا عبرة بالدواعي النفسانية في مثل ذلك. وهذا مما لا اشكال فيه وكأن السر فيه أن أدلة الأحكام الاقتضائية دالة على إلغاء نظر المكلف وإهمال دواعيه النفسانية وأنه لا عبرة بشوقه إلى الفعل ولا بكراهته من غير جهة الحكم الشرعي فالاكراه المأخوذ في موضوع أدلة نفي الاكراه ينزل على الاكراه بالنظر إلى حكم الشارع فتكون أدلة الأحكام الاقتضائية من هذه الجهة حاكمة على أدلة نفي الاكراه وإن كانت محكومة لها من حيث عمومها لحال الاكراه ومن هذه الجهة تعرف أنه لا يلزم مما ذكرنا استعمال لفظ الاكراه في معنيين إذ لم يستعمل إلا في معنى واحد وهو الحمل على المكروه فرارا عما هو مكروه غاية الأمر