فإن تحريم التصرف بالمال أيضا ناشئ من احترام المالك وماله فينصرف عن الصورة المذكورة أيضا ومقتضاه جواز التصرف في المقبوض بعقد الهبة الفاسدة، ويدفعه ثبوت الفرق بين دليل الضمان ودليل حرمة التصرف باشتمال الثاني على استثناء صورة الإذن فإن الاقتصار على صورة الإذن ظاهر في تحديد الاحترام بذلك والغاء الانصراف وعدم العناية بخلاف دليل الضمان فإنه لما لم يتعرض فيه لصورة الإذن ولا لغيرها كان ذلك ظاهرا في العناية بالانصراف على اطلاقه إذ لو لم يكن الأمر كذلك لكان عليه البيان وتحديد مقدار الاحترام كما لعله ظاهر بالتأمل فلا يحسن قياس أحد الدليلين بالآخر (قوله: وقد تقدم من التحرير) هذا لم يتقدم في هذا الأمر ولا فيما قبله ولم أعرف موضعا من المباحث السابقة تقدم فيه ذلك.
الأمر الثالث ضمانه المنافع المستوفاة (قوله: صورة الجهل) يعني جهل القابض بالفساد (قوله: الاتفاق على الحكم) لأن المغصوب مضمون على قابضه بذاته وبمنافعه المستوفاة (قوله:
بناء على صدق المال) لو تم ذلك فإنما يقتضي الحديث الشريف مجرد الحكم التكليفي المستلزم للإثم عند المخالفة مع اجتماع شروط التنجيز ولا يدل على الضمان إذ لا ملازمة بين جهة التصرف وبين الضمان كما لا ملازمة بين جواز التصرف وعدم الضمان وكان الأولى الاستدلال بقاعدة: من أتلف. لأن الاستيفاء للمنفعة إتلاف لها فيوجب ضمانها، لكن يبقى الاشكال في صحة المبنى - أعني كون المنفعة مالا - وقد تقدم ويأتي التعرض له، بل يمكن أن يقال بعدم اعتبار المال في قاعدة الاتلاف لعموم دليلها مثل: من أضر بطريق المسلمين فهو له ضامن، و: كل من أعطيته أجرا ليصلح فأفسد فهو ضامن، وما ورد في القصار يخرق الثوب من قوله (ع): فهو ضامن بما جنت يده، ونحو ذلك من موارد الضمان بالتعدي التي لا تحصى: وجملة منها موارد العقود الاستيمانية كالوكالة والمضاربة والرهن