القول في شرائط العوضين (مسألة): قد عرفت سابقا أن البيع من سنخ المعاوضات المالية، وأنه مبادلة مال بمال فلا بد فيه من أن يكون كل من العوضين مالا، والمالية اعتبار عقلائي ناشئ عن كون الشئ موضوعا لغرض موجب لحدوث رغبة الناس فيه على نحو يتنافسون فيه، ويتسابقون إليه، ويتنازعون عليه سواء أكان ذلك لدفع ضروراتهم الأولية كالأقوات اللازمة أم العرضية كالأدوية والعقاقير، أم لتحصيل اللذة كبعض الفواكه والأشربة، ولا يحصل التنافس بمجرد ذلك، بل لا بد فيه من عزة الوجود فالماء في الشاطئ ليس مالا، وكذا الحطب في الغابات، والرمل في بعض الصحارى، كما لا يعتبر تعلق الغرض النوعي به، فقد يكون الغرض لواحد مؤديا إلى ذلك كما لو تعلق غرض الملك بالرماد فأعلن بأنه يعوض عن صاع منه بدرهم، صار الرماد مالا وقيمة الصاع منه درهما بعد أن لم يكن كذلك، كما أن الحاجة قد تكون إلهية، وقد تكون بجعل جاعل كما لو قرر السلطان أن لا يأذن في السفر لأحد، ولا يسمع دعوى لمدع إلا لمن كان عنده شئ كذا مما لا يكون موضع حاجة في نفسه، فإنه بمجرد ذلك يصير ذلك الشئ مالا بعد أن لم يكن لحدوث الحاجة النوعية إليه بتوسط جعل السلطان ولأجل ذلك صارت الطوابع المتعارفة في عصرنا مالا، وكذا الأوراق النقدية المسماة بالنوت فالمالية في جميع هذه الأمور ليست أمرا حقيقيا وإنما هي صفة اعتبارية منتزعة من الأسباب المؤدية إلى التنافس في الشئ ولو كانت بجعل جاعل، كما أنه يمكن الغاء المالية من المال بجعل الجاعل إذا كان الجعل مؤديا إلى رفع التنافس عليه سواءا كان الجعل ارشاديا كما لو نهى الطبيب عن استعمال بعض المأكولات إذا كان بحيث يوثق بارشاده فإنه يسقط عن المالية أم مولويا كما لو نهى السلطان عن اتخاذ آلات السلاح على نحو أدى الخوف منه إلى
(٣٢٥)