وليجدد المجددون للأجيال بعد الأجيال من أحكام الحوادث وحكم الوقائع ما يتسع به نطاق التشريع كل الاتساع للمتشرعين، نظرة بعد نظرة، وفكرة إثر فكرة، ثم من بعد ذلك أعمال هم لها عاملون، بها يتجلى سر التشريع بأجلى مظاهره التي منها عليها شواهد وشواهد بصدق التشريع والمشرعين، وهناك وقد تجلت كل التجلي، ووضحت كل الوضوح، يتجلى الخطاب المنبعث عن لهجة الإيمان والاطمئنان لا بلهجة موروثة الأبناء عن الآباء: * (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) * (1).
وإذ كانت النفوس غير متفقة ولا متحدة في المواهب والرغبات، ولا العقول متحدة في التقبل والنضوج، ولا الأفهام متساوية في التحمل والانتقاش، ولا الظروف متسعة لكل شخص في كل حال، كان تكليف جميع الناس في الالزام بالأخذ بطريقة الاجتهاد عسرا وحرجا على المكلفين، فتحقيقا لليسر الذي أراده الله تعالى بعباده بصريح كتابه: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * (2) ورفعا للحرج الذي نفاه في محكم قرآنه: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * (3) وكتاب الله في ذلك مشفوع بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يمتدح النبي الأكرم بقوله (صلى الله عليه وآله): " جئتكم بالشريعة السمحة السهلة ". (4) كان لزاما من هذا وذلك وذاك أن يشرع الشارع المقدس للمكلفين في تناول الأحكام - وهم مكلفون بها على كل حال - طريقا سهلا سمحا لاعنت فيه ولا عناء، ذلك أن يتبع المكلف مكلفا آخر في أخذ الأحكام والتكاليف، وذلك هو التقليد، فهذه هي حكمة الاجتهاد تتبعها حكمة التقليد.