الخير، وإن مدت فما هو إلا لاغتصاب الحقوق واستلاب الأموال، وما هو إلا لاعتصار دم الأرامل واليتامى والمساكين، ورجل زمنة لا تسعى لصلاح ولا لإصلاح، وإن سعت فما هو إلا لجلب مغنم دفع، ومغرم يعود بالصلاح له أو لنسيب له أو قريب، وعين عمياء لا تنظر في حسن ولا قبح، وإن نظرت فما هي إلا لتبص عن كثب من يدعو إليها بالباطل ومن يثني عليها بالثناء المكذوب، ومن لا يرضى إلا بالحق ولا ينطق إلا بالصدق، يتمتع بالكرامة والحرص على الشرف والدين الصحيح.
تبص هذا وذاك لتقرب هذا وتبعد ذاك، وتنفع هذا وتضر ذاك، ثم هو الأدهى والأمر، فكر مقيد محدود لا يتجاوز حدود المحيط الذي يعيش فيه، بل لا يتعدى جدران البيت الذي يكنه وأهليه، لا يدري ماذا في العالم من تقدم وتأخر، ومن ذا هو المتقدم والمتأخر، وماذا يجب له، وماذا يجب عليه، نظرة فردية وفكرة شخصية لا تمت إلى الصالح العام بسبب، ولا تتصل في خير المجموعة بنصيب.
يرى أن له النهي والأمر، ولكن لا نهي ولا أمر، لا نهي عن منكر ولا أمر بمعروف، لا يردع عن منكرات الأعمال، ولا يدفع مساوي الخصال، لا يسوؤه تفسخ الأخلاق، ولا تفكك القواعد والعقائد، قديم متزمت، وحديث متفلت، لا يلتقيان في نقطة اتفاق، وهم منهم بالمنظر الأدنى وبالأفق القريب، ثم لا يهم ذلك في قليل ولا كثير. وهنا موضع الأسرار فلنقف ولنمسك عنان اليراع عن أن يضل في ميادين الاسفاف والاسراف، والله مطلع على ما يكنه القلب ويخط على لوح الفؤاد، إني لم أقصد بذلك قصد السوء، ولم أرم إلى هدف، ولم أرد بذلك شخصا معينا وحاشا الموجودين من علمائنا من خطرات السوء وهمزات العائبين، إنما المرمى بذلك علماء السوء، فليتفطن المتفطنون.