قال شيخنا شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رفع الله درجته في فصل من بحث الاجتهاد ذكر فيه صفات المفتي وبيان أحكامهما، قال (قدس سره): لا يجوز لأحد أن يفتي بشئ من الأحكام إلا بعد أن يكون عالما به، لأن المفتي يخبر عن حال ما يستفتيه فيه، فمتى لم يكن عالما به فلا يأمن أن يخبر بالشئ على غير ما هو به، وذلك لا يجوز، فإذن لا بد من أن يكون عالما، ولا يكون عالما إلا بعد أمور:
منها: أن يعلم جميع ما لا يصح العلم بتلك الحادثة إلا بعد تقدمة، وذلك نحو:
العلم بالله تعالى وصفاته وتوحيده وعدله، وإنما قلنا ذلك لأنه متى لم يكن عالما بالله، لم يمكنه أن يعرف النبوة، لأنه لا يأمن أن يكون الذي ادعى النبوة كاذبا، ومتى عرفه ولم يعرف صفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز، لم يأمن أن يكون قد صدق الكاذب، فلا يصح أن يعلم ما جاء به الرسول. فإذن لا بد من أن يكون عالما بجميع ذلك.
ولا بد أن يكون عالما بالنبي الذي جاء بتلك الشريعة، لأنه متى لم يعرفه لم يصح أن يعرف ما جاء به من الشرع.
ولا بد من أن يعرف أيضا صفات النبي وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، لأنه متى لم يعرف جميع ذلك لم يأمن أن يكون غير صادق فيما يؤديه، أو يكون ما أدى جميع ما بعث به، أو يكون أداة على وجه لا يصح له معرفته. فإذن لا بد من أن يعرف جميع ذلك.
وإذا عرف جميع ذلك فلا بد أيضا أن يعرف الكتاب، فإنه يتضمن كثير من الأحكام التي هي المطلوبة، ولا بد من أن يعرف ما لا يتم العلم بالكتاب إلا به، وذلك يوجب أن يعرف جملة من الخطاب العربي، وجملة من الإعراب والمعاني، ويعرف الحقيقة والمجاز والفرق بينهما لأنه متى لم يعرف ذلك لم يمكنه معرفة ما