فإن التزم ذلك بالنسبة إلى الحكم الواقعي - بمعنى أنه لا حكم حتى واقعا لولا الاجتهاد والاستنباط - فذلك مما يمنعه العقل، وهو من المحالية بمكان، إذ هو مضافا إلى ما عرفت مما سلف من مخالفته المتواتر من الروايات، ومن الاجماع القائم على أن لله تعالى في كل واقعة حكما يشترك فيه الجميع، يلزم منه أن لا يبقى موضوع لاجتهاد المجتهدين، إذ ليس الاجتهاد في حقيقة واقعه وواقع حقيقته إلا استفراغ الفقيه وسعه لاستنباط الأحكام الشرعية من مداركها الخاصة، فلا بد إذن من أن يكون حكم محفوظ لا يغيره علم ولا جهل يفحص المجتهد عنه ويبحث المستنبط عنه ليظفر به، وليس حتما أن يصل إليه، فقد يصل وقد لا يصل، والحكم هو الحكم في كل تلك الأحوال والشؤون، فإذا لم يكن للحكم عين ولا أثر - وهذا نتيجة حتمية لازمة لمن يرى هذا الرأي - فأي فحص حينذاك؟ وأي استنباط؟
نعم، إن أريد من الحكم هو الحكم الفعلي، ومعناه أن المجتهد وإن كان يتفحص عما هو الحكم واقعا وإنشاء لكن ما يؤدي اجتهاده إليه يكون هو حكمه الفعلي حقيقة، ونظرا إلى أن الحكم الفعلي هو عبارة عن الحكم الذي يتوصل إليه كل مجتهد حسبما يوصله إليه اجتهاده خاصة، فلم يكن هو ذلك الحكم الذي يشترك فيه العالم والجاهل، وليس هو بذلك الحكم الذي تتفق عليه الآراء، بل هو مما يختلف باختلاف الآراء، فالتصويب بهذا المعنى لا استحالة فيه، وهذا هو المراد من كلام بعض الأعلام ان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم، لكن هذا إنما يتم - حسبما أفاده بعض المحققين - بناء على اعتبار الأخبار من باب السببية والموضوعية، أما لو قيل باعتبارها من باب الطريقية - وهو الذي عليه أكثر المحققين والمحقين - فليس الأمر كذلك، إذ مؤديات الطرق والأمارات المعتبرة على هذا الاعتبار ليست بأحكام حقيقية نفسية، وليس معنى الحكم بحجيتها إلا تنجز مؤدياتها عند إصابتها والعذر عند خطئها فقط وليعلم أن هذا الذي ذكرناه من الخطيئة هو رأي