الأمر الثالث: في التجزي في الاجتهاد، وفيه مواقع من الكلام هو الكلام السالف في الاجتهاد المطلق سواء بسواء:
الموقع الأول: في إمكانه وهو محل الخلاف بين العلماء، ولكن الحق الذي عليه أكثر المحققين إمكانه نظرا إلى أن أبواب الفقه مختلفة في المدارك، والمدارك متفاوتة سهولة وصعوبة، عقلية ونقلية، مع اختلاف الأشخاص والأحوال في الاطلاع على تلك المدارك وطول الباع فيها أو قصر الاطلاع، فكم شخص كثير الاطلاع طويل الباع في مدرك باب، لمهارته في النقليات والعقليات بذلك الباب، وليس هو كذلك في باب آخر لعدم مهارته تلك المهارة في ذلك الباب، فهناك يحصل التجزي والتبعيض في القدرة أو الملكة في الاستنباط، بل وهذا هو معنى التجزي في الاجتهاد. بل قال بعض المحققين الأعلام: يستحيل اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزي للزوم الطفرة وبساطة الملكة، ثم قال (قدس سره): وعدم قبولها - يعني الملكة - التجزئة لا يمنع من حصولها بالنسبة إلى بعض الأبواب بحيث يتمكن من الإحاطة بمداركه كما إذا كانت هناك ملكة الاستنباط في جميعها ويقطع بعدم دخل ما في سائرها به - يعني بحصول الملكة - أصلا أو لا يعتني باحتماله لأجل الفحص بالمقدار اللازم الموجب للاطمئنان بعدم دخله كما في الملكة المطلقة بداهة أنه لا يعتبر في استنباط مسألة معها - يعني مع الملكة - من الاطلاع فعلا على مدارك جميع المسائل، كما لا يخفى. (1) انتهى كلامه رفع مقامه، وفيه شئ من القياس لا يحتمله هذا الكتاب.
الموقع الثاني من الكلام: في حجية ما يؤدي إليه على المتصف به، ومعناه:
أن الذي يؤدي إليه نظر المجتهد المتجزي يجب العمل على طبقه، وتلزم الحركة