على وفقه، والأمر فيه كسابقه محل الكلام والخلاف، والذي عليه بعض المحققين هو حجيته نظرا إلى أدلة مدارك الاجتهاد حيث لا اختصاص لها بالمتصف بالاجتهاد المطلق، وهذا هو الصحيح.
الموقع الثالث من الكلام: في جواز رجوع العامي إليه في كل مسألة اجتهد فيها هو، وهذا أيضا كسابقيه محل الكلام والخلاف، فإن قلنا: إن مدرك وجوب التقليد هو السيرة العقلائية، وهو رجوع الجاهل إلى العالم فيما هو عالم به، والمجتهد المتجزي ممن يصدق عليه هذا العنوان فنعمت حينذاك أدلة جواز التقليد هكذا. وإن قلنا بأن مدرك وجوب التقليد هو الأدلة اللفظية، واستفدنا من تلك الأدلة الاطلاق أو العموم. أما لو قلنا بأن السيرة العقلائية لم يتم قيامها في مثل هذه الأحوال، أو أن بناء العقلاء لم يقم على الرجوع إلى مثله ولا أقل من الشك في هذه الناحية، والشك في المقام كاف في عدم جواز الرجوع، ذلك أن بناء العقلاء أو السيرة العقلائية دليل لبي لا لسان له يتمسك عند الشك في عمومه وإطلاقه، فلا بد في الشك في حصوله من الأخذ بالقدر المتيقن، وهو الرجوع إلى المجتهد المطلق خاصة، وهكذا الحال إن لم نستفد الإطلاق أو العموم من الأدلة اللفظية، ونقول: إنها إنما سيقت لبيان أصل تشريع التقليد لا لبيان كيفيته، كما هو الحال في كثير من الإطلاقات والعمومات، هذا بالنظر إلى الرجوع إليه في فتواه، أما الرجوع إليه في الحكومة، ونفوذ تلك الحكومة في فصل الخصومة، فالأمر فيه أشد إشكالا مما سبق من تلك المراحل والمسائل، فإنك قد عرفت فيما سلف أن مقام الحكومة أعلى شأنا من قيمة الفتيا، فإذا أشكل الأمر في الفتيا فكيف الحال في الحكومة، هذا ولكن بعض المحققين نفى البعد عن نفوذ حكومته فيما إذا عرف جملة معتدا بها واجتهد فيها بأن يصح أن يقال في حقه عرفا إنه ممن عرف أحكامهم، لكن في هذا الكلام نظر لا يحتمله اختصار هذا الكتاب.