وقالت الأشاعرة: إن الحسن والقبح شرعيان، ولا يقضي العقل بحسن شئ منها، ولا بقبحه، بل القاضي بذلك هو الشرع، فما حسنه فهو حسن وما قبحه فهو قبيح (1).. وهو باطل من وجوه:
الأول: أنهم أنكروا ما علمه كل عاقل: من حسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضار، سواء كان هناك شرع أم لا، ومنكر الحكم الضروري سوفسطائي.
الثاني: لو خير العاقل الذي لم يسمع الشرايع، ولا علم شيئا من الأحكام، بل نشأ في بادية، خاليا من العقائد كلها، بين أن يصدق ويعطى دينارا، أو بين أن يكذب ويعطى دينارا، ولا ضرر عليه فيهما، فإنه يتخير الصدق على الكذب. ولولا حكم العقل بقبح الكذب، وحسن الصدق، لما فرق بينهما، ولا اختار الصدق دائما.
الثالث: لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما من ينكر الشرع، والتالي باطل، فإن البراهمة بأسرهم ينكرون الشرايع والأديان كلها، ويحكمون بالحسن والقبح، مستندين إلى ضرورة العقل في ذلك.
الرابع: الضرورة قاضية بقبح العبث، كمن يستأجر أجيرا ليرمي من ماء الفرات في دجلة، ويبيع متاعا أعطي في بلده عشرة دراهم، وفي بلد يحمله إليه بمشقة عظيمة، ويعلم أن سعره كسعر بلده بعشرة دراهم أيضا. وقبح تكليف ما لا يطاق، كتكليف الزمن الطيران إلى السماء، وتعذيبه دائما على ترك هذا الفعل، وقبح من يذم العالم الزاهد، على علمه، وزهده، وحسن مدحه، وقبح مدح الجاهل الفاسق على جهله وفسقه، وحسن ذمه عليهما، ومن كابر في ذلك فقد أنكر أجلى الضروريات، لأن هذا الحكم حاصل للأطفال، والضروريات قد لا تحصل لهم.