في مسيرته الظافرة نحو الحياة الحقيقية * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) * (1)، حيث إن بها يبلغ الانسان مرحلة كماله. وفيها تتساقط الحجب المادية المانعة من الاحساس بالأمور إحساسا واقعيا وحقيقيا وعميقا.
ب: إن الكلمة المروية عن الإمام الحسين (عليه السلام) قد اعتبرت أن الموت بمثابة قلادة على جيد الفتاة، ومعنى ذلك هو:
أن الموت هو زينة للحياة ويزيد في بهجتها، ويعطيها رونقا، وبهاء وجمالا، وبدونه تكونه باهتة خافتة تماما كما هو الحال بالنسبة للقلادة التي تزيد في بهجة وبهاء وجمال الفتاة، وتوجب انشداد الانظار إليها، وتعلق النفوس بها.
ولأجل هذا المعنى جعلها على جيد (فتاة) وليس (المرأة). فإن الفتاة هي التي تميل إليها نفوس الطالبين، وتكون موضعا لتنافس المتنافسين.
كما أننا نلاحظ: أنه لم يستعمل كلمة (عنق) هنا وإنما اختار كلمة (جيد) الذي هو من الجودة، وهو تعبير مريح للنفس أيضا، ومثير لكثير من المعاني اللذيذة في أعماقها.
فالموت زينة الحياة، وبهجتها، حينما يثير في الانسان طموحه، إلى ما هو أبعد وأوسع وأعلى وأغلى، ويشد روحه وعقله إلى الآفاق الرحبة، وملاحقة أسرار الكون وخفاياه، وحقائقه ودقائقه ومزاياه، من أجل أن يسخر كل ما في الوجود ويستفيد من كل ما تصل إليه يده في مجال إبعاد الشفاء والعناء، ومساعدته على بلوغه مدارج الكمال، ووصوله إلى أهدافه السامية، وتحقيقه مثله العليا، الامر الذي يحتم عليه التزام الفضائل، والتعالي عن الموبقات والرذائل.