ثم معرفة قيمته وحقيقته على ما هو عليه في نفس الامر.
ومن هنا نعرف أن الشهود يزيد عن الحضور، فإن الانسان قد يكون حاضرا لحدث ما، ولكنه ليس شاهدا له إذا لم يدركه بعمق راسخ، تشارك فيه قوى الادراك الباطنية الظاهرية في الوصول والحصول.
وبما أن الشهادة هي الوصول إلى الحقيقة، مع إدراك وإحساس واقعي بها، بسبب تساقط الحجب، وزوال الموانع المادية، فيستطيع الانسان حينئذ أن يدرك واقع الحياة وسر الوجود، وحقائقه.
فإنها لا يمكن - يعني الشهادة - أن ينالها الكافر، لأنه محجوب بذنوبه، وبأعماله، وتكون حياته موتا، أما موته فلا يؤهله إلا لمواجهة مصيره الأسود، حيث تحف به ملائكة العذاب، وتحتوشه زبانية جنهم، ويبقى محجوبا عن ساحة القدس الإلهية، وعن الانطلاق في رحابها، ونيل بركاتها.
كما أن هذه الشهادة تحتاج إلى تربية إلهية، ورعاية ملكوتية، تمنحه المعرفة الحقيقية، والرؤية الصادقة، وتربية سلوكيا وعاطفيا، وتصفي وتزكي نفسه وروحه، وعمله، وكل وجوده، ليكون إنسانا إلهيا بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
نعم وهذا ما يفسر لنا قوله تعالى: * (ويتخذ منكم شهداء) * (1).
فإن الله هو الذي يربيهم، ويزكيهم، ويؤهلهم لتلقي المعارف، ويكشف عن أبصارهم وبصائرهم ليصلوا إلى درجة الشهود والخلود، في مقعد صدق عند مليك مقتدر (2).