جاهلي، مصلحي، حسبما ألمحنا إليه.
ب: وبعد فإن إهداء أبي براء ملاعب الأسنة للنبي (صلى الله عليه وآله)، وقول حامل الهدية حينما رد النبي الهدية: (ما كنت أرى أن رجلا من مضر يرد هدية أبي براء) (1) يدل على أن أبا براء كان رجلا ذا أهمية في مجتمعه الذي يعيش فيه، حتى إن مضري لا يجرؤ على رد هديته احتراما وتقديرا له.
فإهداؤه للنبي (صلى الله عليه وآله) يدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد ذاع صيته، وظهرت هيبته في مختلف أرجاء المنطقة آنئذ، وبدأ يتزلف إليه المتزلفون، ويخطب وده الخاطبون.
ج: كما أن الامر الذي يثير العجب حقا هو: أننا نجد أبا براء ذلك الرجل المعروف والمبجل في محيطه، والذي لا يرد هديته مضري ليس فقط يتلقى هذه الصدمة الكبيرة، وهي رد هديته من قبل صديقه بالاذعان والقبول. وإنما هو يطلب من النبي إرسال دعاته إلى بلاد نجد، ويقبل أن يتحمل مسؤولية حمايتهم، وكونهم في جواره. هذا كله. عدا عن طلبه الاستشفاء بالنبي (صلى الله عليه وآله) وعمله بما أرسل به إليه.
مع أننا نجد ابن أخيه عامرا على العكس من ذلك تماما، حيث يثيره تشميت النبي لغلام حمد الله، وعدم تشميته له، وهو لم يحمد الله. ثم يتنامى به الامر، ويتعاظم حتى يرتكب تلك الجريمة النكراء، بأسلوب رخيص ولئيم، أقل ما يقال فيه: أنه مجلبة للعار الدائم، والذل المقيم..
والمخالف حتى لأعراف الجاهلية، فضلا عن مناقضته لكل القيم والمثل والمبادئ الانسانية.
فإن كان ما فعله أبو براء عن سياسة ودهاء فنعم السياسة تلك، وحبذا هذا الدهاء، وإن كان عن عقل وحكمة فالمجد والخلود لهذا