المنقول. لا يبر الاقدام على هذا التصرف، ولو بهذا المقدار، فإن حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة وحرامه كذلك.
5 - وأخيرا.. فيجب أن لا ننسى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يقدم فيها الخليفة على مثل ذلك، فلقد أقدم هو واللذان سبقاه، وتبعهم من جاء بعدهم من الأمويين وغيرهم على تغيير الكثير من أحكام الشرع، وحقائق الدين، أو تحريفها، وكان رأيهم كالشرع المتبع. وقد ذكرنا بعض ما يرتبط بهذا الموضوع الخطر والهام في كتابنا: الحياة السياسية للإمام الحسن (عليه السلام) في عهد الرسول والخلفاء الثلاثة بعده، فليراجعه من أراد.
اللعن رفض وإدانة:
وسواء ثبت لدينا: أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد لعن رعلا وذكوانا، وبني لحيان، ومضر إلخ. أم لا، فإن لعنه لبعض الناس، ثابت لا ريب فيه. وليس ذلك لأجل أن اللعن سلاح العاجز، الذي لا يجد حيلة للتعبير عن مشاعره الثائرة إلا ذلك، إذ أنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن لينطلق في مواقفه كلها من حالة انفعالية طاغية، ومن إندفاع عاطفي غير مسؤول، بهدف التنفيس عن حقد دفين، وانسياقا مع إنفعالات طائشة.
وإنما يريد (صلى الله عليه وآله) أن يلقن الناس جميعا عن طريق الشعور واللاشعور ويؤدبهم، ويعلمهم: أن الاعتداء على الأبرياء، والغدر، والخيانة، ونقض المواثيق والذمم، وكذلك جميع أشكال الانحراف وأنحائه. إن كل ذلك مرفوض جملة وتفصيلا، ولا بد من تربية الوجدان على الاحساس بقبحه ورذالته ليصبح النفور منه، والابتعاد عنه بصورة عفوية حالة طبيعية، وواقعية ذات جذور ممتدة في أعماق الانسان، وفي صميم ذاته.