إليه ابنته فالتزمها وخرج إليه أهله يبكون فأوصاهم بوصية وقال لا تبكوا أرأيتم ان لم أترككم كم عسيت أن أبقى معكم حتى أموت وإن أنامت فان الذي رزقكم الان حي لا يموت وسيرزقكم بعد وفاتي كما رزقكم في حياتي ثم ودع أهله وخرج من الكوفة (قال أبو مخنف) فحدثني الكلبي محمد بن السائب أنهم لما هزموا ارتفاع النهار حين امتد ومتع قال جئت أشتد ومعي الرمح والسيف والترس حتى بلغت أهلي من يومى ما ألقيت شيئا من سلاحي فقال الحجاج اتركوهم فليتبددوا ولا تتبعوهم ونادى المنادى من رجع فهو آمن ورجع محمد بن مروان إلى الموصل وعبد الله بن عبد الملك إلى الشأم بعد الوقعة وخليا الحجاج والعراق وجاء الحجاج حتى دخل الكوفة وأجلس مصقلة بن كرب بن رفبة العبدي إلى جنبه وكان خطيبا فقال اشتم كل امرئ بما فيه ممن كنا أحسنا إليه فاشتمه بقلة شكره ولؤم عهده ومن علمت منه عيبا فعبه بما فيه وصغر إليه نفسه وكان لا يبايعه أحد إلا قال له أتشهد انك قد كفرت فإذا قال نعم بايعه وإلا قتله فجاء إليه رجل من خثعم قد كان معتزلا للناس جميعا من وراء الفرات فسأله عز حاله فقال ما زلت معتزلا وراء هذه النطفة منتظرا أمر الناس حتى ظهرت فأتيتك لا بايعك مع الناس قال أمتربص أتشهد أنك كافر قال بئس الرجل أنا ان كنت عبدت الله ثمانين سنة ثم أشهد على نفسي بالكفر قال إذا أقتلك قال وان قتلتني فوالله ما بقى من عمري إلا ظم ء حمار وإني لا ننظر الموت صباح مساء قال اضربوا عنقه فضربت عنقه فزعموا أنه لم يبق حوله قرشي ولا شأمى ولا أحد من الحزبين إلا رحمه ورثى له من القتل ودعا بكميل بن زياد النخعي فقال له أنت المقتص من عثمان أمير المؤمنين قد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا فقال والله ما أدرى على أينا أنت أشد غضبا عليه حين أقاد من نفسه أم على حين عفوت عنه ثم قال أيها الرجل من ثقيف لا تصرف على أنيابك ولا تهدم على تهدم الكثيب ولا تكشر كشران الذئب والله ما بقى من عمري إلا ظم ء الحمار فإنه يشرب غدوة ويموت عشية ويشرب عشية ويموت غدوة اقض ما أنت قاض فان الموعد الله وبعد القتل
(١٦٩)