فيه ولم يقصد الاستيطان فيه كما ستعرف، لا في مطلق الوطن بحيث يشمل محل الفرض، فدعوى أنه وإن كان وطنا عرفا إلا أنه ليس وطنا شرعا واضحة المنع.
واقتصار كثير من الفتاوى على الملك المستوطن ستة أشهر ليس لانحصار الوطن فيه عندهم، بل لذكرهم له في معرض قواطع السفر في أثنائه، وهو الذي يتصور وقوعه في الأثناء لا الوطن الذي اتخذه مقرا، إذ الخروج منه يكون ابتداء للسفر لا أنه قاطع له بوقوعه في أثنائه، إذ هو فيه حاضر لغة وعرفا وشرعا، واحتمال تصويره بمن نوى السفر إلى الشام مثلا وقصده من البصرة وكان وطنه الكوفة فمر بها مجتازا إلى مقصوده الأصلي يدفعه أن ابتداء سفره أيضا في الحقيقة من الكوفة وإن كان قد قصده من البصرة، على أنه لو سلم فليس هو المنساق إلى الذهن من قطع السفر في أثنائه بالوصول إلى وطنه، إنما المنساق ما نص عليه الأصحاب مما بقي فيه حكم الوطن وكان غيره المقر والمسكن للمسافر، كما هو واضح.
وكيف كان فلا ريب عندنا في وجوب الاتمام على المسافر بالوصول إلى نفس منزله المزبور سواء قصد مجرد الاجتياز به أو انشاء السفر منه، أو إلى البلاد الذي (التي ظ) فيها منزله وإن لم يصل إلى نفس منزله بل أو إلى محل الترخص من محل بلاده، كل ذلك لانسلاخه عن صدق المسافر واندراجه في الحاضر بديهة لوروده إلى موضع رحله ومقر أهله ومحل أنسه ومستراح بدنه ومأنس نفسه، وإن كان قد يشم من بعض النصوص عدم الاتمام في الأخير إذا كان قد أنشأ السفر من مكان غيره وأراد الاجتياز به، كموثق ابن بكير (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة يكون له فيها دار ومنزل وإنما هو مجتاز لا يريد المقام