وزيادة إنكار وعجب من غفلة جميع الأصحاب عن ذلك الذي جميع الأخبار دالة عليه من غير غبار، ولا تناف بينها من وجه، إذ المستفاد منها كما عرفت أن حد المسير المعتبر في التقصير ليس إلا ما يعبر عنه تارة ببريدين، وأخرى بثمانية فراسخ، وأخرى ببياض يوم كما صرح به في جملة من الأخبار السابقة، مع تأكد بعضها بأنه لا أقل من ذلك ولا أكثر، وبأنه أدنى ما يقصر فيه، لكنه أعم من أن يكون قطع هذا المسير في حالة الذهاب خاصة أو مع الإياب، وقع الإياب في يومه أو في يوم آخر ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع الآتية، فيصير سفرين يكون كل منهما أقل من الثمانية، وحينئذ فكما يصح أن يقال إنه ثمانية فراسخ نظرا إلى الفردين معا يصح أن يقال: إنه أربعة فراسخ نظرا إلى أحد الفردين وهو حالة الذهاب خاصة، ولذا أطلق الأربعة في جملة من النصوص، فإن من سافر أربعة فراسخ فإنما يسافر في الحقيقة ثمانية، لأنه إذا رجع صار سفره ثمانية، وقد بين ذلك بيانا شافيا في خبري زرارة ومحمد (1) حيث قيل:
(بريد ذاهب وبريد جائي) وزيد بيانا في خبر زرارة حيث قيل: (وإنما فعل (صلى الله عليه وآله) ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ) وأما خبر ابن مسلم حيث تعجب من قوله: (بريد) لما كان قد سمع أنه بياض يوم فأجابه (عليه السلام) (بأنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه) فلا دلالة فيه على أنه لا بد له الرجوع من يومه حتى يتحتم التقصير، بل المراد به أن سفره حينئذ يصير بمقدار بياض يوم.
وإطلاق الأربعة في جملة من النصوص منزل على التقييد المستفاد من جملة أخرى كما عرفت، على أن الغالب في السفر المراجعة، فينصرف الاطلاق إليه، قيل: ولهذا اقتصر صاحب الكافي على أخبار الأربعة ولم يتعرض أصلا لشئ من أخبار الثمانية