القرآن، ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان وكان عاشوراء ثابتا بالسنة، وصلاة الخوف وردت في القرآن ناسخة لما ثبت في السنة من جواز تأخيرها إلى انجلاء القتال، حتى قال عليه السلام يوم الخندق وقد أخر الصلاة: حشا الله قبورهم نارا لحبسهم له عن الصلاة، وكذلك قوله تعالى: * (فلا ترجعوهن إلى الكفار) * (الممتحنة: 01) نسخ لما قرره عليه السلام من العهد والصلح، وأما نسخ القرآن بالسنة فنسخ الوصية للوالدين والأقربين بقوله (ص): ألا لا وصية لوارث لان آية الميراث لا تمنع الوصية للوالدين والأقربين، إذ الجمع ممكن وكذلك قال (ص): قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم فهو ناسخ لامساكهن في البيوت، وهذا فيه نظر، لأنه (ص) بين أن آية الميراث نسخت آية الوصية، ولم ينسخها هو بنفسه (ص)، وبين أن الله تعالى جعل لهن سبيلا، وكان قد وعد به فقال: * (أو يجعل الله لهن سبيلا) * (النساء: 51) فإن قيل: قال الشافعي رحمه الله لا يجوز نسخ السنة بالقرآن، كما لا يجوز نسخ القرآن بالسنة، وهو أجل من أن لا يعرف هذه الوجوه في النسخ، فكأنه يقول: إنما تلتغي السنة بالسنة، إذ يرفع النبي (ص) سنته بسنته، ويكون هو مبينا لكلام نفسه وللقرآن، ولا يكون القرآن مبينا للسنة، وحيث لا يصادف ذلك فلانه لم ينقل، وإلا فلم يقع النسخ إلا كذلك، قلنا: هذا إن كان في جوازه عقلا فلا يخفى أنه يفهم من القرآن وجوب التحول إلى الكعبة وإن كان التوجه إلى بيت المقدس ثابتا بالسنة وكذلك عكسه ممكن وإن كان يقول: لم يقع هذا، فقد نقلنا وقوعه، ولا حاجة إلى تقدير سنة خافية مندرسة، إذ لا ضرورة في هذا التقدير، والحكم بأن ذلك لم يقع أصلا تحكم محض، وإن قال الأكثر: كان ذلك فربما لا ينازع فيه، احتجوا بقوله تعالى:
* (قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * (يونس: 51) فدل أنه لا ينسخ القرآن بالسنة، قلنا: لا خلاف في أنه لا ينسخ من تلقاء نفسه، بل بوحي يوحى إليه لكن لا يكون بنظم القرآن، وإن جوزنا النسخ في الاجتهاد، فالاذن في الاجتهاد يكون من الله عز وجل، والحقيقة أن الناسخ هو الله عز وجل على لسان رسوله (ص) والمقصود أنه ليس من شرطه أن ينسخ حكم القرآن بقرآن بل على لسان رسوله (ص)، بوحي ليس بقرآن وكلام الله تعالى واحد هو الناسخ باعتبار، والمنسوخ باعتبار، وليس له كلامان، أحدهما قرآن، والآخر ليس بقرآن، وإنما الاختلاف في العبارات، فربما دل على كلامه بلفظ منظوم يأمرنا بتلاوته، فيسمى قرآنا، وربما دل بغير لفظ متلو فيسمى سنة، والكل مسموع من الرسول عليه السلام والناسخ هو الله تعالى في كل حال: على أنهم طالبوه بقرآن مثل هذا القرآن فقال: لا أقدر عليه من تلقاء نفسي، وما طالبوه بحكم غير ذلك، فأين هذا من نسخ القرآن بالسنة وامتناعه؟
احتجوا بقوله تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * (يونس: 51) وبين أن الآية لا تنسخ إلا بمثلها أو بخير منها، فالسنة لا تكون مثلها، ثم تمدح وقال: * (ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) * (البقرة: 601) بين أنه لا يقدر عليه غيره؟ قلنا: قد حققنا أن الناسخ هو