الذي يفيد العلم، وإلى زائد وهو الذي يحصل العلم ببعضه وتقع الزيادة فضلا عن الكفاية، والكامل وهو أقل عدد يورث العلم ليس معلوما لنا، لكنا بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد، لا أنا بكمال العدد نستدل على حصول العلم، فإذا عرفت هذا فالعدد الكامل الذي يحصل التصديق به في واقعة هل يتصور أن لا يفيد العلم في بعض الوقائع؟ قال القاضي رحمه الله: ذلك محال، بل كل ما يفيد العلم في واقعة يفيد في كل واقعة، وإذا حصل العلم لشخص فلا بد وأن يحصل لكل شخص يشاركه في السماع، ولا يتصور أن يختلف، وهذا صحيح إن تجرد الخبر عن القرائن، فإن العلم لا يستند إلى مجرد العدد ونسبة كثرة العدد إلى سائر الوقائع وسائر الاشخاص واحدة، أما إذا اقترنت به قرائن تدل على التصديق فهذا يجوز أن تختلف فيه الوقائع والاشخاص، وأنكر القاضي ذلك ولم يلتفت إلى القرائن ولم يجعل لها أثرا، وهذا غير مرضي، لان مجرد الاخبار يجوز أن يورث العلم عند كثرة المخبرين، وإن لم تكن قرينة، ومجرد القرائن أيضا قد يورث العلم وإن لم يكن فيه أخبار، فلا يبعد أن تنضم القرائن إلى الاخبار، فيقوم بعض القرائن مقام بعض العدد من المخبرين، ولا ينكشف هذا إلا بمعرفة معنى القرائن وكيفية دلالتها فنقول: لا شك في أنا نعرف أمورا ليست محسوسة، إذ نعرف من غيرنا حبه لانسان وبغضه له وخوفه منه وغضبه وخجله، وهذه أحوال في نفس المحب والمبغض لا يتعلق الحس بها قد تدل عليها دلالات آحادها ليست قطعية بل يتطرق إليها الاحتمال، ولكن تميل النفس بها إلى اعتقاد ضعيف. ثم الثاني والثالث يؤكد ذلك، ول أفردت آحادها لتطرق إليها الاحتمال، يحصل القطع باجتماعها، كما أن قول كل واحد من عدد التواتر يتطرق إليه الاحتمال لو قدر مفردا ويحصل القطع بسبب الاجتماع، ومثاله أنا نعرف عشق العاشق لا بقوله بل بأفعال هي أفعال المحبين، من القيام بخدمته وبذل ماله وحضور مجالسه لمشاهدته وملازمته في تردداته وأمور من هذا الجنس، فإن كل واحد يدل دلالة لو انفرد لاحتمل أن يكون ذلك لغرض آخر يضمره لا لحبه إياه، لكن تنتهي كثرة هذه الدلالات إلى حد يحصل لنا علم قطعي بحبه وكذلك ببغضه، إذا رؤيت منه أفعال ينتجها البغض، وكذلك نعرف غضبه وخجله لا بمجرد حمرة وجهه لكن الحمرة إحدى الدلالات، وكذلك نشهد الصبي يرتضع مرة بعد أخرى فيحصل لنا علم قطعي بوصول اللبن إلى جوفه وإن لم نشاهد اللبن في الضرع لأنه مستور، ولا عند خروجه فإنه مستور بالفم، ولكن حركة الصبي في الامتصاص وحركة حلقه تدل عليه دلالة ما، مع أن ذلك قد يحصل من غير وصول اللبن، لكن ينضم إليه أن المرأة الشابة لا يخلو ثديها عن لبن، ولا تخلو حلمته عن ثقب، ولا يخلو الصبي عن طبع باعث على الامتصاص مستخرج للبن، وكل ذلك يحتمل خلافه نادرا وإن لم يكن غالبا، لكن إذا انضم إليه سكوت الصبي عن بكائه مع أنه لم يتناول طعاما آخر صار قرينة، ويحتمل أن يكون بكاؤه عن وجع وسكوته عن زواله، ويحتمل أن يكون تناول شيئا آخر لم نشاهده وإن كنا نلازمه في أكثر الأوقات، ومع هذا فاقتران هذه الدلائل كاقتران الاخبار وتواترها وكل دلالة شاهدة يتطرق إليها الاحتمال، كقول كل مخبر على حياله، وينشأ من الاجتماع العلم وكأن هذا مدرك سادس من مدارك العلم سوى ما
(١٠٨)