سريعا، كحمرة الخجل أو بطيئا كصفرة الذهب وزرقة العين وسواد الزنجي، وربما لا يزول في الوجود، كزرقة العين، ولكن يمكن رفعه في الوهم، وأما كون الأرض مخلوقة، وكون الجسم الكثيف ذا ظل مانع نور الشمس، فإنه ملازم لا تتصور مفارقته، ومن مثارات الأغاليط الكثيرة التباس اللازم التابع بالذاتي فإنهما مشتركان في استحالة المفارقة، واستقصاء ذلك في هذه المقدمة التي هي كالعلاوة على هذا العلم غير ممكن، وقد استقصيناه، في كتاب معيار العلم، فإذا فهمت الفرق بين الذاتي واللازم، فلا تورد في الحد الحقيقي إلا الذاتيات، وينبغي أن تورد جميع الذاتيات، حتى يتصور بها كنه حقيقة الشئ وماهيته، وأعني بالماهية ما يصلح أن يقال في جواب ما هو، فإن القائل ما هو يطلب حقيقة الشئ، فلا يدخل في جوابه إلا الذاتي، والذاتي ينقسم إلى عام، ويسمى جنسا، وإلى خاص، ويسمى نوعا، فإن كان الذاتي العام لا أعم منه سمي جنس الأجناس، وإن كان الذاتي الخاص لا أخص منه سمي نوع الأنواع، وهو اصطلاح المنطقيين ولتصالحهم عليه، فإنه لا ضرر فيه وهو كالمستعمل أيضا في علومنا، ومثاله أنا إذا قلنا: الجوهر ينقسم إلى جسم وغير جسم، والجسم ينقسم إلى نام وغير نام، والنامي ينقسم، إلى حيوان وغير حيوان، والحيوان ينقسم إلى عاقل وهو الانسان، وغير عاقل، فالجوهر جنس الأجناس، إذ لا أعم منه، والانسان نوع الأنواع، إذ لا أخص منه، والنامي نوع بالإضافة إلى الجسم، لأنه أخص منه، وجنس بالإضافة إلى الحيوان لأنه أعم منه، وكذلك الحيوان بين النامي الأعم، والانسان الأخص، فإن قيل: كيف لا يكون شئ أعم من الجوهر وكونه موجودا أعم منه، وكيف لا يكون شئ أخص من الانسان، وقولنا: شيخ، وصبي، وطويل ، وقصير، وكاتب، وخياط، أخص منه؟ قلنا: لم نعن في هذا الاصطلاح بالجنس الا عم فقط، بل عنينا الأعم، الذي هو ذاتي للشئ، أي داخل في جواب ما هو، بحيث لو بطل عن الذهن التصديق بثبوته بطل المحدود وحقيقته عن الذهن، وخرج عن كونه مفهوما للعقل، وعلى هذا اصطلاح، فالموجود لا يدخل في الماهية، إذ بطلانه لا يوجب زوال الماهية عن الذهن، بيانه إذا قال القائل: ما حد المثلث؟ فقلنا: شكل يحيط به ثلاثة أضلاع، أو قال: ما حد المسبع؟
فقلنا: شكل يحيط به سبعة أضلاع، فهم السائل حد المسبع، وإن لم يعلم أن المسبع موجود في العالم أصلا، فبطلان العلم بوجوده لا يبطل عن ذهنه فهم حقيقة المسبع، ولو بطل عن ذهنه الشكل لبطل المسبع، ولم يبق مفهوما عنده، وأما ما هو أخص من الانسان من كونه طويلا أو قصيرا أو شيخا أو صبيا أو كاتبا أو أبيض أو محترفا، فشئ منه لا يدخل في الماهية، إذ لا يتغير جواب الماهية بتغيره، فإذا قيل لنا: ما هذا؟ فقلنا: إنسان، وكان صغيرا فكبر، أو قصيرا فطال، فسئلنا مرة أخرى ما هو؟ لست أقول من هو؟ لكان الجواب ذلك بعينه، ولو أشير إلى ما ينفصل من الإحليل عند الوقاع وقيل: ما هو؟ لقلنا: نطفة، فإذا صار جنينا ثم مولودا فقيل: ما هو؟ تغير الجواب، ولم يحسن أن يقال: نطفة، بل يقال: إنسان، وكذلك الماء إذا سخن فقيل ما هو؟ قلنا: ماء كما في حالة البرودة، ولو استحال بالنار بخارا ثم هواء ثم قيل: ما هو؟ تغير الجواب، فإذا انقسمت الصفات إلى ما يتبدل الجواب عن الماهية بتبدلها وإلى ما لا يتبدل فلنذكر في الحد الحقيقي ما يدخل في الماهية، وأما الحد اللفظي والرسمي