محال. وهذا ضعيف أيضا، لان أبا جهل أمر بالايمان بالتوحيد والرسالة والأدلة منصوبة والعقل حاضر، إذ لم يكن هو مجنونا، فكان الامكان حاصلا، لكن الله تعالى علم أنه يترك ما يقدر عليه حسدا وعنادا، فالعلم يتبع المعلوم ولا يغيره، فإذا علم كون الشئ مقدورا لشخص وممكنا منه ومتروكا من جهته مع القدرة عليه، فلو انقلب محالا لانقلب العلم جهلا ويخرج عن كونه ممكنا مقدورا، وكذلك نقول: القيامة مقدور عليها من جهة الله تعالى في وقتنا هذا، وإن أخبر أنه لا يقيمها ويتركها مع القدرة عليها، وخلاف خبره محال، إذ يصير وعيده كذبا، ولكن هذه استحالة لا ترجع إلى نفس الشئ فلا تؤثر فيه. الثالث: قولهم: لو استحال تكليف المحال لاستحال إما لصيغته أو لمعناه أو لمفسدة تتعلق به، أو لأنه يناقض الحكمة ولا يستحيل لصيغته، إذ لا يستحيل أن يقول: * (كونوا قردة خاسئين) * (البقرة: 56)، وأن يقول السيد لعبده الأعمى: أبصر، وللزمن إمش، وأما قيام معناه بنفسه فلا يستحيل أيضا إذ يمكن أن يطلب من عبده كونه في حالة واحدة في مكانين ليحفظ: ماله في بلدين، ومحال أن يقال أنه ممتنع للمفسدة أو مناقضة الحكمة، فإن بناء الأمور على ذلك في حق الله تعالى محال إذ لا يقبح منه شئ، ولا يجب عليه الأصلح، ثم الخلاف فيه وفي العباد واحد، والفساد والسفه من المخلوق ممكن، فلم يمتنع ذلك مطلقا، والمختار استحالة التكليف بالمحال لا لقبحه ولا لمفسدة تنشأ عنه ولا لصيغته، إذ يجوز أن ترد صيغته، ولكن للتعجيز لا للطلب، كقوله تعالى: * (قل كونوا حجارة أو حديدا) * (الاسراء: 05) وكقوله: * (كونوا قردة خاسئين) * (البقرة: 56) أو لاظهار القدرة، كقوله تعالى: * (كن فيكون) * [البقرة:
117، آل عمران: 47 و 59، الانعام: 73، النحل: 240، مريم: 35، (يس: 82) غافر: 68 لا بمعنى أنه طلب من المعدوم أن يكون بنفسه، ولكن يمتنع لمعناه، إذ معنى التكليف طلب ما فيه كلفة، والطلب يستدعي مطلوبا، وذلك المطلوب ينبغي أن يكون مفهوما للمكلف بالاتفاق، فيجوز أن يقول: تحرك، إذ التحرك مفهوم، فلو قال له: تمرك، فليس بتكليف، إذ معناه ليس بمعقول ولا مفهوم ولا له معنى في نفسه، فإنه لفظ مهمل، فلو كان له معنى في بعض اللغات يعرفه الآمر دون المأمور، فلا يكون ذلك تكليفا أيضا، لان التكليف هو الخطاب بما فيه كلفة، وما لا يفهمه المخاطب لا يكون خطابا معه، وإنما يشترط كونه مفهوما ليتصور منه الطاعة، لان التكليف اقتضاء طاعة، فإذا لم يكن في العقل طاعة لم يكن اقتضاء الطاعة متصورا معقولا، إذ يستحيل أن يقوم بذات العاقل طلب الخياطة من الشجر، لان الطلب يستدعي مطلوبا معقولا أولا، وهذا غير معقول، أي لا وجود له في العقل، فإن الشئ قبل أن يوجد في نفسه، فله وجود في العقل، وإنما يتوجه إليه الطلب بعد حصوله في العقل، وإحداث القديم غير داخل في العقل، فكيف يقوم بذاته طلب إحداث القديم؟ وكذلك سواد الأبيض لا وجود له في العقل، وكذلك قيام القاعدة، فكيف يقول له: قم وأنت قاعد؟ فهذا الطلب يمتنع قيامه بالقلب لعدم المطلوب، فإنه كما يشترط في المطلوب أن يكون معدوما في الأعيان، يشترط أن يكون موجودا في الأذهان، أي في العقل، حتى يكون إيجاده في الأعيان على وفقه في الأذهان، فيكون طاعة وامتثالا، أي احتذاء لمثال ما في نفس الطالب، فما