في الفروع، وذهب الحشوية والتعليمية إلى أن طريق معرفة الحق التقليد، وأن ذلك هو الواجب، وأن النظر والبحث حرام، ويدل على بطلان مذهبهم مسالك. الأول: هو أن صدق المقلد لا يعلم ضرورة، فلا بد من دليل، ودليل الصدق المعجزة، فيعلم صدق الرسول عليه السلام بمعجزته، وصدق كلام الله بأخبار الرسول عن صدقه، وصدق أهل الاجماع بأخبار الرسول عن عصمتهم، ويجب على القاضي الحكم بقول العدول لا بمعنى اعتقاد صدقهم، لكن من حيث دل السمع على تعبد القضاة باتباع غلبة الظن صدق الشاهد أم كذب، ويجب على العامي اتباع المفتي، إذ دل الاجماع على أن فرض العوام اتباع ذلك كذب المفتي أم صدق أم أصاب فنقول: قول المفتي والشاهد لزم بحجة الاجماع، فهو قبول قول بحجة فلم يكن تقليدا، فإنا نعني بالتقليد قبول قول بلا حجة، فحيث لم تقم حجة ولم يعلم الصدق بضرورة ولا بدليل فالاتباع فيه اعتماد على الجهل. المسلك الثاني: أن نقول:
أتحيلون الخطأ على مقلدكم أم تجوزونه، فإن جوزتموه فإنكم شاكون في صحة مذهبكم وإن احلتموه فبم عرفتم استحالته؟ بضرورة أم بنظر أو تقليد ولا ضرورة ولا دليل؟ فإن قلدتموه في قوله أن مذهبه حق، فبم عرفتم صدقه في تصديق نفسه؟ وإن قلدتم فيه غيره، فبم عرفتم صدق المقلد الآخر وإن عولتم على سكون النفس إلى قوله، فبم تفرقون بين سكون نفوسكم وسكون نفوس النصارى واليهود؟ وبم تفرقون بين قول مقلدكم إني صادق محق وبين قول مخالفكم؟ ويقال لهم أيضا في إيجاب التقليد هل تعلمون وجوب التقليد أم لا، فإن لم تعلموه فلم قلدتم؟ وإن علمتم فبضرورة أم بنظر أو تقليد، ويعود عليهم السؤال في التقليد، ولا سبيل لهم إلى النظر والدليل، فلا يبقى إلا إيجاب التقليد بالتحكم، فإن قيل: عرفنا صحته بأنه مذهب للأكثرين فهو أولى بالاتباع؟ قلنا: وبم أنكرتم على من يقول الحق دقيق غامض لا يدركه إلا الأقلون ويعجز عنه الأكثرون، لأنه يحتاج إلى شروط كثيرة من الممارسة والتفرغ للنظر ونفاذ القريحة والخلو عن الشواغل، ويدل على أنه عليه السلام محقا في ابتداء أمره وهو في شرذمة يسيرة، على خلاف الأكثرين، وقد قال تعالى: (وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) (الانعام: 611) كيف وعدد الكفار في زماننا أكثر، ثم يلزمكم أن تتوقفوا حتى تدوروا في جميع العالم وتعدوا جميع المخالفين فإن ساووهم توقفوا وإن غلبوا رجحوا، كيف وهو على خلاف نص القرآن، قال الله تعالى: * (وقليل من عبادي الشكور) * (سبأ: 31) * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * (الانعام: 37 الأعراف 131، القصص 13 الدخان 39، الطور: 47) * (وأكثرهم للحق كارهون) * (المؤمنون: 70) فإن قيل: فقد قال عليه السلام: عليكم بالسواد الأعظم، ومن سره أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، والشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد قلنا: أولا: بم عرفتم صحة هذه الأخبار وليست متواترة؟ فإن كان عن تقليد فبم تتميزون عن مقلد اعتقد فسادها؟ ثم لو صح فمتبع السواد الأعظم ليس بمقلد، بل علم بقول الرسول وجوب اتباعه، وذلك قبول، قول بحجة وليس بتقليد، ثم المراد بهذه الاخبار ذكرناه في كتاب الاجماع، وأنه الخروج عن موافقة الامام أو موافقة الاجماع، ولهم شبه الشبهة الأولى قولهم: إن الناظر متورط في شبهات،