كونه معلوما، وقد بينا أنه لا ترجيح لمعلوم على معلوم ولا لمظنون على مظنون. الثاني:
أن تعتضد إحدى العلتين بموافقة قول صحابي انتشر وسكت عنه الآخرون، وهذا يصح على مذهب من لا يرى ذلك إجماعا، أما من اعتقده إجماعا صار عنده قاطعا، ويسقط الظن في مقابلته. الثالث: أن تعتضد بقول صحابي وحده ولم ينتشر، فقد قال قوم: قوله حجة، فإن لم يكن حجة فلا يبعد أن يقوى القياس به في ظن مجتهد، إذ يقول إن كان ما قاله عن توقيف فهو أولى، وإن كان قال ما قاله عن ظن وقياس فهو أولى بفهم مقاصد الشرع منا ويجوز أن لا يترجح عند مجتهد. الرابع: أن يترجح بموافقته بخبر مرسل أو بخبر مردود عنده، لكن قال به بعض العلماء، فهذا مرجح بشرط أن لا يكون قاطعا ببطلان مذهب القائلين به، بل يرى ذلك في محل الاجتهاد. الخامس: أن تشهد الأصول بمثل حكم إحدى العلتين، أعني لجنسها لا لعينها، فإنه إن شهدت لعينها كان قاطعا رافعا للظنون إلى النيات، وشهادة الكفارات لاستواء البدل والمبدل في النية، فهذا أيضا يصلح للترجيح عند من غلب على ظنه ذلك. السادس : أن يكون نفس وجود العلة ضروريا في أحدهما نظريا في الآخر، فإن كانا معلومين أو كان أحدهما متيقنا والآخر مظنونا فإن من أوصاف العلة ما يتيقن، ككون البر قوتا وكون الخمر مسكرا ومنه ما يظن، ككون الكلب نجسا، إذا عللنا منع بيعه بنجاسته وككون التراب مبطلا رائحة النجاسة إذا ألقي في الماء الكثير المتغير لا ساترا، وكذلك علة مركبة من وصفين أحدهما ضروري، والآخر نظري، أو أحدهما معلوم والآخر مظنون، إذا عارضها ما هو ضروري الوصفين أو معلوم الوصفين، لان ما علم مجموع وصفيه أولى مما تطرق الشك أو الظن إلى أحد وصفيه، لان الحكم لا محالة يتبع وجود نفس العلة، فما قوى العلم أو الظن بوجود العلة قوى الظن بحكم العلة. السابع: الترجيح بما يعود، إلى التعلق بالعلم بالعلة، فإذا كان إحدى العلتين حكما ككونه حراما أو نجسا والاخرى حسيا ككونه قوتا ومسكرا زعموا أن رد الحكم إلى الحكم أولى، حتى أن تعليل الحكم بالحرية والرق أولى من تعليله بالتمييز والعقل، وتعليله بالتكليف أولى من تعليله ب الانسانية، وهذا من الترجيحات الضعيفة. الثامن: أن تكون إحدى العلتين سببا أو سببا للسبب كما لو جعل الزنا والسرقة علة للحد والقطع كان أولى من جعل أخذ مال الغير على سبيل الخفية علة، ومن جعل إيلاج الفرج في الفرج علة حتى يتعدى إلى النباش واللائط، لان تلك العلة استندت إلى الاسم الذي ظهر الحكم به، هذا إذا تساوت العلتان من كل وجه، أما إذا دل الدليل على أن الحكم غير منوط بالسبب الظاهر بل بمعنى تضمنه فالدليل متبع فيه، كما أن القاضي لا يقضي في حالة الغضب لا للغضب، ولكن لكونه ممنوعا من استيفاء الفكر فيجري في الحاقن والجائع، وهو أولى من التعليل بالغضب الذي ينسب الحكم إليه. التاسع: الترجيح بشدة التأثير، ولا نعني بشدة التأثير قيام الدليل على كونه علة، لان الدليل يقوم على المعنى الكائن في نفسه دون الدليل فليكن لكون العلة مؤثرة معنى، ثم إذا تحقق ذلك في نفسه وفي علم الله تعالى ربما