شرح اللفظ، أو بطريق الرسم. وأما الحد الحقيقي فلا، والمعنى المفرد مثل الموجود، فإذا قيل لك: ما حد الموجود؟ فغايتك أن تقول: هو الشئ أو الثابت، فتكون قد أبدلت اسما باسم مرادف له، ربما يتساويان في التفهيم، وربما يكون أحدهما أخفى في موضع اللسان كمن يقول: ما العقار: فيقال الخمر، وما الغضنفر؟ فيقال: الأسد، وهذا أيضا إنما يحسن بشرط أن يكون المذكور في الجواب أشهر من المذكور في السؤال، ثم لا يكون إلا شرحا للفظ، وإلا فمن يطلب تلخيص ذات الأسد فلا يتخلص له ذلك في عقله إلا بأن يقول: هو سبع، من صفته كيت وكيت، فأما تكرار الألفاظ المترادفة فلا يغنيه، ولو قلت: حد الموجود أنه المعلوم أو المذكور وقيدته بقيد احترزت به عن المعدوم، كنت ذكرت شيئا من توابعه ولوازمه، وكان حدك رسميا غير معرب عن الذات، فلا يكون حقيقيا، فإذا الموجود لا حد له فإنه مبدأ كل شرح، فكيف يشرح في نفسه، وإنما قلنا: المعنى المفرد ليس له الحد الحقيقي، لان معنى قول القائل: ما حد الشئ؟ قريب من معنى قوله: ما حد هذه الدار؟ وللدار جهات متعددة إليها ينتهي الحد، فيكون تحديد الدار بذكر جهاتها المختلفة المتعددة التي الدار محصورة مسورة بها، فإذا قال: ما حد السواد، فكأنه يطلب به المعاني، والحقائق التي بائتلافها تتم حقيقة السواد، فإن السواد سواد ولون، وموجود وعرض، ومرئي ومعلوم، ومذكور واحد وكثير ومشرق وبراق، وكدر وغير ذلك من الأوصاف، وهذه الأوصاف بعضها عارض يزول، وبعضها لازم لا يزول، ولكن ليست ذاتية، ككونه معلوما وواحدا وكثيرا، وبعضها ذاتي لا يتصور فهم السواد دون فهمه، ككونه لونا، فطالب الحد كأنه يقول إلى كم معنى تنتهي حدود حقيقة السواد؟
لتجمع له تلك المعاني المتعددة، ويتخلص بأي يبتدئ بالأعم ويختم بالأخص، ولا يتعرض للعوارض، وربما يطلب أن لا يتعرض للوازم بل للذاتيات خاصة، فإذا لم يكن المعنى مؤتلفا من ذاتيات متعددة كالموجود فكيف يتصور تحديده؟ فكان السؤال عنه، كقول القائل:
ما حد الكرة، ويقدر العالم كله كرة، فكيف يذكر حده على مثال حدود الدار، إذ ليس له حدود، فإن حده عبارة عن منقطعه، ومنقطعه سطحه الظاهر وهو سطح واحد متشابه وليس سطوحا مختلفة ولا هو منته إلى مختلفة حتى يقال أحد حدوده ينتهي إلى كذا والآخر إلى كذا فهذا المثال المحسوس وإن كان بعيدا عن المقصود ربما يفهم مقصود هذا الكلام ولا يفهم من قولي السواد مركب من معنى اللونية والسوادية واللونية جنس والسوادية نوع أن في السواد ذوات متعددة متباينة متفاضلة، فلا تقل إن السواد لون وسواد، بل لون ذلك اللون بعينه هو سواد ومعناه يتركب ويتعدد للعقل حتى يعقل اللونية مطلقا، ولا يخطر له السواد مثلا، ثم يعقل السواد، فيكون العقل قد عقل أمرا زائدا لا يمكنه جحد تفاصيله في الذهن، ولكن لا يمكن أن يعتقد تفاصيله في الوجود، ولا تظنن أن منكر الحال يقدر على حد شئ البتة والمتكلمون يسمون اللونية حالا لان منكر الحال إذا ذكر الجنس واقتصر بطل عليه الحد وإن زاد شيئا للاحتراز فيقال له: إن الزيادة عين الأول أو غيره؟ فإن كان عينه فهو تكرار فاطرحه، وأن كان غيره فقد اعترف بأمرين. وإن قال في حد الجوهر: إنه موجود بطل بالعرض، فإن زاد أنه متحيز فقيل له: قولك متحيز مفهوم الموجود أو عينه؟ فإن كان عينه فكأنك قلت