أعرف بأمر دنياكم وأنا أعرف بأمر دينكم. التأويل الثاني: قولهم: غاية هذا أن يكون عاما يوجب العصمة عن كل خطأ، ويحتمل أن يكون المراد به بعض أنواع الخطأ من الشهادة في الآخرة أو ما يوافق النص المتواتر، أو يوافق دليل العقل دون ما يكون بالاجتهاد والقياس، قلنا: لا ذاهب من الأمة إلى هذا التفصيل إذ ما دل من العقل على تجويز الخطأ عليهم في شئ دل على تجويزه في شئ آخر، وإذا لم يكن فارق لم يكن تخصيص بالتحكم دون دليل، ولم يكن تخصيص أولى من تخصيص، وقد ذم من خالف الجماعة، وأمر بالموافقة، فلو لم يكن ما فيه العصمة معلوما استحال الاتباع إلا أن ثبت العصمة مطلقا، وبه ثبتت فضيلة الأمة وشرفها، فأما العصمة عن البعض دون البعض فهذا يثبت لكل كافر، فضلا عن المسلم، إذ ما من شخص يخطئ في كل شئ بل كل إنسان فإنه يعصم عن الخطأ في بعض الأشياء التأويل الثالث: أن أمته (ص) كل من آمن به إلى يوم القيامة، فجملة هؤلاء من أول الاسلام إلى آخر عمر الدنيا، لا يجتمعون على خطأ، بل كل حكم انقضى على اتفاق أهل الاعصار كلها بعد بعثة النبي (ص)، فهو حق، إذ الأمة عبارة عن الجميع كيف والذين ماتوا في زماننا هم من الأمة، وإجماع من بعدهم ليس إجماع جميع الأمة بدليل أنهم لو كانوا قد خالفوا ثم ماتوا لم ينعقد بعدهم إجماع، وقبلنا من الأمة من خالف وإن كان قد مات، فكذلك إذا لم يوافقوا؟ قلنا: كما لا يجوز أن يراد بالأمة المجانين والأطفال والسقط والمجتن وإن كانوا من الأمة، فلا يجوز أن يراد به الميت والذي لم يخلق بعد، بل الذي يفهم قوم يتصور منهم اختلاف واجتماع، ولا يتصور الاجتماع والاختلاف من المعدوم، والميت، والدليل عليه أنه أمر باتباع الجماعة، وذم من شذ عن الموافقة، فإن كان المراد به ما ذكروه فإنما يتصور الاتباع والمخالفة في القيامة لا في الدنيا، فيعلم قطعا أن المراد به إجماع يمكن خرقه ومخالفته، في الدنيا، وذلك هم الموجودون في كل عصر، أما إذا مات فيبقى أثر خلافه فإن مذهبه لا يموت بموته، وسيأتي فيه كلام شاف إن شاء الله تعالى.
المقام الثالث: المعارضة بالآيات والاخبار أما الآيات: فكل ما فيها منع من الكفر والردة والفعل الباطل، فهو عام مع الجميع، فإن لم يكن ذلك ممكنا فكيف نهوا عنه، كقوله تعالى: * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * (الأعراف: 33) * (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) * (البقرة: 712) * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (البقرة: 881) وأمثال ذلك، قلنا: ليس هذا نهيا لهم عن الاجتماع، بل نهي للآحاد، وإن كان كل واحد على حياله داخلا في النهي وإن سلم، فليس من شرط النهي وقوع المنهي عنه ولا جواز وقوعه، فإن الله تعالى علم أن جميع المعاصي لا تقع منهم ونهاهم عن الجميع وخلاف المعلوم غير واقع، وقال لرسوله (ص): * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 56) وقال:
* (فلا تكونن من الجاهلين) * (الانعام: 53) وقد علم أنه قد عصمه منهم وأن ذلك لا يقع، وأما الاخبار فقوله عليه السلام: بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وقوله عليه السلام: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى إن الرجل ليحلف وما يستحلف، ويشهد وما يستشهد وكقوله (ص): لا تقوم