وهذا عندنا لا يصح، ولا يحتمل ما روى فيه، لأنه لو كان هناك مخبر آخر وقد أخبرهم بذلك لنقل، فلما لم ينقل إلا خبر مخبر واحد، وأن الصحابة صارت إلى حكم خبره، علمنا أنه لم يبلغهم ذلك من جهة غيره.
ولو ساغ هذا التأويل لجاز أن يقال: إن النبي عليه السلام لم يرجم ما عزا بإقراره، وإنما رجمه بشهادة أربع شهود عليه بالزنا، وإن لم ينقل إلينا، ولجاز أن يقال: إنه لم يرجمه للزنا وحده، ولكن لأنه كان قبل عن ذلك، فلذلك استحق الرجم، ولجاز أن يقال: إنه لم يخير بريرة للعنق فحسب، لكن لأن زوجها خيرها بعد العنق، وإن لم ينقل ذلك إلينا، ولزوم هذا الاعتبار يؤدي إلى إبطال السنن كلها، لأنه جائز في حكم روي أن النبي عليه السلام حكم به لحدوث حادثة - أن يكون وجوبه كان متعلقا بأسباب أخرى لم تنقل إلينا.
وعلى أن القائل بخبر الاثنين لا يصح له الاحتجاج بفعل أبي بكر وعمر وغيرهما (1)، لأنه جائز أن يكون إنما قبل خبر جماعة بتواتر (2) الخبر عندهم، (3) وإن لم ينقل إلينا إلا خبر الاثنين في نحو توريث الجدة السدس. (4) وذكر: أن (5) راوي خبر تحويل القبلة: عبد الله بن عمر، وكان صغيرا يومئذ، لأنه بلغ عام الخندق، فلم يكن ممن يضبط ذلك.
قال أبو بكر رحمه الله: وهذا لا متعلق له فيه، لأن خبر مسجد قباء قد رواه أيضا أنس بن مالك، وهو مشهور عنه.
وأيضا: فإن كون هذه القصة أشهر في الأمة من أن تحتاج إلى إسناد، حتى قد صار يسمى مسجد القبلتين إلى يومنا هذا، لأنهم صلوا فيه بعض صلاتهم إلى بيت المقدس، وبعضها إلى الكعبة، في صلاة واحدة. وعلى أن ابن عمر كان صغيرا يومئذ - فإنه لم يكن من الصغر في حد لا يضبط مثله في ذلك، لأن سنه في وقت تحويل القبلة كان أربع عشرة سنة ونحوها، لأن القبلة حولت قبل وقعة بدر بشهرين، وكان سن ابن عمر يومئذ أربع