الحكم إلا من هذه الجهة، وأما أهل العلم فإنهم متى فقدوا الخبر المتواتر في إثبات الحكم، رجعوا إلى استعمال النظر والاجتهاد.
قيل له: إن القياس الشرعي لا يفضى (1) بنا إلى العلم بحقيقة الحكم، وإنما هو غالب الظن. والأثر مقدم عليه، وإن ورد من طريق الآحاد، لأن المخبر يقول هذا حكم الله تعالى، أيضا ولا يمكن أن يقول مثله في الاجتهاد.
وأيضا: فإن الصحابة إنما كانوا يفزعون إلى القياس واجتهاد الرأي عند عدم الأثر عن الرسول عليه السلام في حكم الحادثة، ولم يكونوا يستعملون النظر مع الأثر، وقدمنا الأثر عليه باتفاقهم جميعا عليه. (2) واحتج من أبى قبول خبر الواحد بقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) (3) وبقوله تعالى: (وأن تقولوا (4) على الله ما لا تعلمون) وبقوله تعالى: (إلا) (5) (من شهد بالحق وهم يعلمون) (6) وبقوله تعالى: (ولا تقولوا على الله إلا الحق) (7) وخبر الواحد لا يوجب العلم، فانتفى قبوله بظاهر هذه الآيات، وقال تعالى: (إن الظن لا يغنى من الحق شيئا). (8) وخبر الواحد عند قائليه موقوف على حسن الظن براويه. (9) وقد نفى سبحانه وتعالى بهذه الآية الحكم بالظن، فانتفى بها قبول خبر الواحد.
واحتجوا أيضا: أن النبي عليه السلام لم يجز قبول خبره في (بدء دعائه) (10) الناس إلى التصديق بثبوته، إلا بعد ظهور المعجزات على (11) يديه، وإقامة الدلائل الموجبة