باب القول في صفة الإجماع الذي هو حجة لله تعالى الإجماع على وجهين: أحدهما: يشترك فيه الخاصة والعامة، لحاجة الجميع إلى معرفته، وذلك نحو إجماعهم: (على) (1) أن الظهر أربع، والمغرب ثلاث، وصوم رمضان، وحج البيت، وغسل الجنابة، وتحريم الزنا، وشرب الخمر، وتحريم نكاح الأمهات، والأخوات، ونحوهن، فهذا إجماع قد تساوى (2) الخاصة والعامة فيه.
والإجماع الآخر: ما يختص به الخاصة من أهل العلم، الذين هم شهداء الله عز وجل على ما ذكره في كتابه، ولا اعتبار فيه بقول العامة، لأن العامة لا مدخل لها في ذلك، إذ ليس بلواها به عامة.
وذلك كنحو: فرائض الصدقات، وما يجب (3) في الزروع والثمار من الحق، وتحريم الجمع بين العمة وبنت الأخ، وما جرى مجرى ذلك، مما لم يكثر بلوى العامة به، فعرفته الخاصة، وأجمعت عليه.
ثم لا يخلو من ينعقد به الإجماع: من أن يكون وجود إجماعه معتبرا، بأن نعرف قول كل واحد منهم بعينه، أو أن يظهر القول من بعضهم، وينتشر في كافتهم من غير إظهار خلاف من الباقين عليهم، ولا نكير على القائلين به، وغير جائز أن تكون صحة الإجماع موقوفة على وجود القول في المسألة من كل واحد منهم، بوفاق الآخرين، لأن ذلك لو كان شرط الإجماع لما صح إجماع أبدا، إذ لا يمكن لأحد من الناس (4) أن يحكي في شئ من الأشياء قول كل أحد من أهل عصر انعقد إجماعهم على شئ، إن شئت من الصدر الأول، وان شئت ممن بعدهم. فلما ثبت عندنا صحة إجماع الأمة (بما قدمنا من الدلائل وامتنع وجود الإجماع) (5) بإثبات قول كل أحد من الصحابة والتابعين في مسألة، علمنا: أن