والدليل على أنه قد كان جعل له أن يقول من طريق الاجتهاد: قوله تعالى:
(ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (1) عمومه يقتضي جواز الاستنباط من جماعة المردود إليهم، وفيهم (2) النبي صلى الله عليه وسلم.
(ويدل عليه أيضا: قوله تعالى: (فاعتبروا يا أولي الأبصار) (3) والنبي صلى الله عليه وسلم من أجلهم (4) ويدل عليه ما حكى الله تعالى من قصة داوود وسليمان عليهما السلام، ثم قال:
(ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلمنا) (5) وظاهره يدل على أن حكمهما كان من طريق الاجتهاد، لأنهما لو حكما من طريق النص لما خص سليمان بالفهم (6) فيها دون داوود عليهما السلام.
ويدل عليها أيضا: أن درجة المستنبطين أفضل درجات العلوم، ألا ترى: أن المستنبط أعلى درجة من الحافظ غير المستنبط، فلم يكن الله ليحرم (7) نبيه عليه السلام أفضل درجات العلم التي هي درجة الاستنباط. (8) ويدل أيضا عليه: قوله تعالى: (وشاورهم في الأمر) (9) ولا يخلو المعنى فيه: من أن يكون مشاورته (10) إياهم فيما نص عليه تطيبا لنفوسهم (11) فيما لا نص فيه، فأمر بمشاورتهم ليقرب وجه الرأي فيه، وليزداد (بصيرة في رأيه إن) (12) كان موافقا لرأيهم.