باب القول في الإجماع بعد الاختلاف إذا اختلف الصحابة في حكم مسألة و انقرضوا، ثم (1) أجمع أهل عصر بعدهم على أحد تلك الأقاويل التي قال به أهل العصر المتقدم - فإن من الناس من يقول: إجماع أهل العصر الثاني ليس بحجة، ويسع كل أحد خلافه ببعض الأقاويل التي قال بها أهل العصر المتقدم.
وقال آخرون: هذا على وجهين: فإن كان خلافا يوثم فيه بعضهم بعضا فإن اجماع أهل العصر الثاني يسقط الخلاف الأول. وإن كان خلافا يوثم فيه بعضهم بعضا وسوغوا الاجتهاد فيه فإن إجماع من بعدهم لا يسقط الخلاف المتقدم. (2) قال أبو بكر: وقال أصحابنا: إجماع أهل العصر الثاني حجة لا يسع من بعدهم خلافه، قال محمد بن الحسن - في قاض حكم بجوار بيع أم الولد بعد موت مولاها: إني أبطل قضاءه، لأن الصحابة كانت اختلف فيه، ثم أجمع بعد ذلك قضاة المسلمين وفقهاؤهم (على أنها حرة لا تباع، ولا تورث، لم يختلف في ذلك أحد من قضاة المسلمين وفقهائهم) (3) في جميع الأمصار إلى يومنا هذا، ولم يكن الله تعالى ليجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، وقال محمد: فكل أمر اختلف فيه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أجمع التابعون من بعدهم جميعا على قول بعضهم دون بعض، وترك قول الآخر، فلم يعمل به أحد، إلى يومنا هذا، فعمل به عامل اليوم وقضى به، فليس ينبغي لقاض ولي هذا أن يجيزه، ولكن يرده ويستقبل فيه القضاء بما أجمع عليه المسلمون.