ولم يكن فعله عبارة عن إرادته ذلك منا، ولا كان في ظاهره ما يدل عليه، لم يجز لنا فعله على وجه الإيجاب، مع فقد العلم بأنه يريد ذلك منا، فلا يكون فعلنا له على هذا الوجه طاعة، ولا اتباعا له، ولأنا متى أقدمنا على ذلك فقد قضينا بأنه مريد منا ذلك، وغير جائز لنا إثبات إرادته لذلك إلا بنص أو دلالة، وظهور فعله لا يدل عليها، أو قد يفعل هو في نفسه فعلا ولا يريد منا مثله، فإذا ليس وجود فعله على أنه واجب مع عدم العلم به، وليس ظهور الفعل منه على هذا الوجه كظهور أمره في دلالته على إرادته منا، لأنه لا يأمرنا بشئ إلا وقد أراد منا فعله. فظاهر الأمر يقتضى إرادة المأمور منا. فلذلك اختلفا.
فإن قيل: ما أنكرت أن يكون ما استدللت به من الآي هو الدلالة على وجوب فعله علينا، لأنه حين أمرنا باتباعه، فقد أمرنا بأن نفعل مثل فعله، إذ كان المعقول من لفظ الاتباع، أن نفعل مثل ما فعل.
قيل: لا يخلو شرط الاتباع: من أن يكون إيقاع الفعل في ظاهره على حسب ما أوقعه، من غير أن يكون معلقا بإرادته ذلك منا، أو أن نفعله على حسب ما يريده منا، ومتى فعله في صورته من غير تعلقه بإرادته إياه منا، لكنا متبعين إذا نهانا عنه، وفعله هو في نفسه، ففعلنا مثل فعله لوجود مثله في صورته منا، ولو كان كذلك لكنا مطيعين له بذلك، لأن متبع النبي عليه السلام لابد من أن يكون مطيعا له: فكان يجب أن يكون مطيعا عاصيا، فلما بطل هذا علمنا: أن شرط اتباعه في فعله: أن نوقعه على الوجه الذي أوقع عليه وأراده منا، فلما لم يك ظاهر فعله دلالة على الوجه الذي أوقعه عليه، ولا على أنه قد أراد منا ذلك (1) لم يجز لنا إيقاعه على جهة الإيجاب، مع فقد العلم منا بالوجه الذي أوقعه عليه.
وأيضا: فمعلوم أنه إن كان فعله على وجه الإباحة والندب ثم فعلناه نحن على وجه الوجوب - لم نكن متبعين له، لأن شرط الاتباع إيقاعه على الوجه الذي أوقعه عليه، ومتى خالفناه في هذا الوجه خرجنا من حد الاتباع.
ألا ترى أن من فعل فعلا ففعل غيره مثله على وجه المعارضة له والمضاهات لفعله قاصد المعارضة (2) ومباراته، لم يكن متبعا له، وإن كان قد أوقع فعلا مثل فعله في الظاهر.