قال أبو بكر: وأحكام السنة على ثلاثة أنحاء: فرض، وواجب، وندب، وليس يكاد يطلق على المباح لفظ السنة، لأنا قد بينا: أن معنى السنة: أن يفعل، أو يقول، ليقتدى به فيه، ويداوم عليه، ويستحق به الثواب، وذلك معدوم في قسم المباح. (1) فأما الفرض: فهو ما كان في أعلا مراتب الإيجاب، والواجب دون الفرض، ألا ترى أنا نقول: الوتر واجب، وليس بفرض، وصلاة العيد واجبة، وليست بفرض، وقال عليه السلام، غسل الجمعة واجب على كل محتلم، ولم يرد به الفرض، ولا يجوز لنا أن نقول:
يدل على أنه فرض على كل محتلم، ويدل أن (2) معنى الفرض قد يخالف معنى الواجب: أنه قد يمتنع إطلاق الفرض فيما لا يمتنع فيه إطلاق الواجب، لأنا نطلق أنه يجب على الله تعالى من جهة الحكمة مجازاة المحسنين، ولا نقول إن ذلك فرض عليه.
وقد قيل: إن معنى الفرض في الأصل: هو الأثر الحاصل بالجزاء الواقع في السنة ونحوها فشبه ما لزم وثبت بذلك الأثر، والوجوب في الأصل هو السقوط، قال الله تعالى:
(فإذا وجبت جنوبها) يعني سقطت، ويقال: وجبت الشمس إذا سقطت.
وقال الشاعر:
حتى كان أول واجب... يعني ساقط، فجعل ما لزم في الشرع بمنزلة الشئ الذي سقط، ويثبت في الموضوع، فكان معنى الفرض أثبت منه، لأن هناك أثرا لا يزول، والساقط في الموضوع فقد زال عن الموضوع من غير تأثير يحصل فيه، فلما كان الفرض في موضوع اللغة أثبت من الوجوب، كان كذلك حكمه في الشرع، فمن أجل ذلك قلنا: إن الفرض هو ما كان في أعلا مراتب اللزوم، والثبوت.
والفرض، أيضا التقدير. منه: فرائض المواريث، وفرائض الإبل في الصدقات.
ويجوز أن يكون الفرض الذي هو اللزوم من هذا أيضا، كأنه قدر له شئ منع تركه، ومجاوزته، إلى غيره. (3)