بذلك متبعين ومتأسين به، ولا نحتاج إلى دلالة أخرى: في أنه قد أراد منا فعله غير ما وصفنا.
وقد ذكرنا: أن من الناس من يقول: إني إذا لم أعلم وقوع فعله على أحد هذه الوجوه وقفت فيه، ولم أفعله، حتى أعلم حقيقته، فأقتدي به فيه، لأني إذا فعلته على وجه الإباحة لا آمن أن يكون مخالفا له فيه، لجواز أن يكون عليه السلام فعله على وجه الندب، أو الوجوب.
وهذا عندنا ليس بشئ، لأنه لا يخلو في قوله: أقف فيه: من أن يمنع فعل مثله ويحظره، أو يقول: إني لا أمنعه، ولا تبعة على فاعله، فإن حظره ومنع منه - فقد حكم بحظره وأبطل الوقف، وهذا عين المخالفة إذا كان حاظرا لما استباح النبي عليه السلام فعله.
وإن قال: لا أحكم فيه بشئ، ولا ألوم فاعله.
قبل له: فهذا هو الإباحة التي أنكرتها، وعلى أن قوله بالوقف قبل أن يسأله عن وجهه هو نفس المخالفة للنبي عليه السلام، لأنا قد علمنا أن النبي عليه السلام حين فعله لم يقف فيه، فالقول بالوقف فاسد من هذه الوجه التي ذكرنا.
فإن قيل: وأنت إذا فعلته على وجه الإباحة فلست تأمن (1) أن يكون النبي عليه السلام قد فعله ندبا، أو إيجابا، فتكون قد خالفته.
قيل له: لو كان قد فعله على أحد هذين الوجهين لبينه عليه السلام، لأن منا الحاجة إليه، فلما لم يبينه: علمنا أنه قد أجاز لنا فعله على وجه الإباحة.
فإن قيل: ولو فعله على وجه الإباحة لبينه، فإذا جاز أن لا يبين له ما يفعله على وجه الإباحة، جاز أن لا يبين ما يفعله على وجه الندب والإيجاب.
قيل له: لا يجب ذلك، لأن النبي عليه السلام جائز له أن لا يبين المباحات كلها، إذ ليس بنا حاجة إليها في ديننا، إذ لا نستحق بفعلها ثوابا، ولا بتركها عقابا.