وقد أنكر عليه ابن عمر رضي الله عنهما، وجماعة غير هؤلاء من الصحابة - كثرة روايته، ولم يأخذوا بكثير منها، حتى يسألوا غيره، فإذا أخبرهم به غيره عملوا به.
وقالت عائشة فيما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولد الزنا شر الثلاثة) (1):
(لم ينتظر بأمه أن تضع).
قال أبو بكر رحمه الله: جعل عيسى رحمه الله ما ظهر من مقابلة السلف لحديث أبي هريرة بقياس الأصول، وتثبتهم (2) فيه، علة لجواز مقابلة رواياته بالقياس. فما وافق القياس منها قبله، وما خالفه لم يقبله، إلا أن يكون خبرا قد قبله الصحابة فيتبعون فيه، ولم يجعل حديث أبي هريرة في ذلك كحديث غيره من الصحابة، لأنه لم يظهر من الصحابة من التثبت في حديث غيره مقابلته بالقياس، مثل ما ظهر منهم في حديثه، فجعل ذلك أحد الوجوه الموجبة للتثبت في خبره، وعرضه على النظائر من الأصول، فإن لم ترده النظائر من الأصول قبله، وإن كانت نظائره من الأصول بخلافه - عمل على النظائر، ولم يعمل بالخبر، كما اعتبر ابن عباس في روايته في الوضوء مما مست النار بما ذكر من النظائر، وكما فعلت عائشة في مشيها في خف واحد.
والأصل في ذلك: أن خبر الواحد مقبول على جهة الاجتهاد، وحسن الظن بالراوي، كالشهادات، فمتى كثر غلط الراوي، وظهر من السلف التثبت في روايته، كان ذلك مسوغا للاجتهاد في مقابلته بالقياس، وشواهد الأصول.