قيل الحقيقة: ما وصفنا، وهذا مجاز، لا يصرف اللفظ إليه إلا بدلالة، وأما قوله تعالى: (لمن كان يرجو الله) فلا دلالة فيه على ما ذكره، لأن معناه لمن كان يرجو ثواب الله، أبان به عن استحقاق الثواب بالتأسي به، واستحقاق الثواب بالفعل لا يدل على الوجوب، لأن الندب يستحق الثواب بفعله، ولا يدل على وجوبه.
وأما تأويل من تأوله على معنى: يخاف الله واليوم الآخر - غلط، لأن الرجاء غير الخوف في اللغة.
ألا ترى أنك نقول: أرجو الثواب، ولا تقول: أرجو العقاب. وإنما تقول: أخاف العقاب، وقال تعالى: (1) (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) (2)، فالرجاء يتعلق بضد ما يتعلق به الخوف، فغير جائز حمله على غير الحقيقة، وصرفه إلى ضد موجبه.
وأيضا: لو دل على الوجوب لما دل على موضع الخلاف، لأنه كان حينئذ يقتضي وجوب التأسي به، (3) ليكون (4) فعلا (5) مساويا لفعله في الحكم، فإذا لم أعلم أن فعله على جهة الوجوب، ثم فعلته أنا على وجه الإيجاب، فليس ذلك تأسيا به.
وأيضا: فإن التأسي بالنبي عليه السلام طاعة، وإذا فعله هو ندبا أو إباحة وفعلته أنا على الوجوب فقد خالفته، ومخالفته ليست بطاعة.
وأيضا: فلما كان معلوما تعذر التأسي به في كل أفعاله، لأن ذلك يوجب لزومه في سائر أحواله، وذلك ممتنع، صار ما بدر إليه من التأسي به متعلقا ببعض أفعاله، لاستحالة اعتقاد العموم فيه. فصار تقديره: لكم التأسي به في بعض أفعاله، فيحتاج إلى دلالة أخرى غير اللفظ في إثبات الوجه الذي يتأسى به فيه.
فإن قيل: قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه) (6) يدل على: أن ما فعله يجب علينا فعل مثله، لأنه ما أني به الرسول عليه السلام، ولأنه لا فرق بين قوله: (ما آتاكم الرسول) وبين (7) لو قال: ما أتي الرسول به فخذوه، كما لا فرق بين قوله: (ما نهاكم عنه)