باب القول في التابعي هل يعد خلافا على الصحابة قال أصحابنا: التابعي الذي قد صار في عصر الصحابة من أهل الفتيا، يعتد بخلافة على الصحابة، كأنه واحد منهم.
وقال بعضهم: لا يجوز خلاف الصحابي إلا لصحابي مثله. (1) والدليل على صحة قولنا: أن الصحابة قد سوغت للتابعين مخالفتهم، والفتيا بحضرتهم، وتنفيذ أحكامهم، مع إظهارهم لهم المخالفة في مذاهبهم، (2) ألا ترى: أن عليا وعمر رضي الله عنهما قد وليا شريحا القضاء، ولم يعترضا عليه في أحكامه، مع إظهاره الخلاف عليهما في كثير من المسائل.
فإن قيل: إنما ولوهم الحكم ليحكموا بقول الصحابة من غير خلاف عليهم منهم.
قيل له: هذا غلط، لأن في رسالة عمر إلى شريح، (فإن لم تجد في السنة فاجتهد رأيك) (3) ولم يأمره بالرجوع إليه، ولا الحكم بقوله، وخاصم علي عليه السلام إلى شريح ورضي بحكمه، حين حكم عليه بخلاف رأيه، وشاور عمر رضي الله عنه كعب بن سور، (4) وأمره بالحكم بين المرأة وزوجها في الكون عندها، فجعل لها كعب قسما واحدا من أربع، وقال أبو سلمة: (5) (تذاكرت أنا وابن عباس، وأبو هريرة، عدة الحامل، المتوفى عنها