الأمر بالأداء، ولا يمتنع مع ذلك قيام الدلالة على وجوب التثبت في خبر بعض المأمورين بالأداء، وهم الفساق، كما أن للشاهدين عليهما إقامة الشهادة، وإن كانا فاسقين، إذا دعيا (1) للشهادة، (وأنه واجب) (2) التثبت في شهادتهما، ولا يقدح وجوب التثبت في شهادة بعض المأمورين بالأداء، في صحة الاستدلال بقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) (3) على قبول شهادة العدلين كما يقول في العموم: إنه يوجب الحكم بما تضمنه لفظه، ثم لا يمتنع قيام الدلالة على تخصيص بعض ما تناوله اللفظ من جملته.
وذكر: أنه ليس توجيه النبي عليه السلام العمال على البلدان واستعمال المعاة على الصدقات - دليل على لزوم العمل بخبر الواحد، لأن الولاية كانت تثبت عندهم بالتواتر.
وأما الأحكام فإنما تثبت بقولهم، لأن قبول حكم الحاكم واجب على رعيته، ولا يصح لأحد منهم الاجتهاد في مخالفة رأيه.
قال أبو بكر رحمه الله: لم يفرق أحد بين قبول خبر الواحد إذا رواه عن النبي عليه السلام، وبين قبول أخبار الآحاد من غيره، وإذ قد وافق على أن الحاكم إذا قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بكذا، أو أمر بكذا - يوجب العلم بخبره، فغيره من المخبرين بمنزلته.
ومعلوم أن الولاة الذين كان ببعثهم النبي عليه السلام - لم يكونوا يقتصرون في تعليم رعاياهم على ما يتعلق حكمه بالولاة والحكام، لأن النبي عليه السلام كان يتقدم إليهم بدعاء الناس إلى الإسلام، ثم إن أجابوا أمرهم بإقامة الصلاة، وجمل الفروض والعبادات التي يحتاج إليها الكافة، فدل على أن رعايا الولاة لم يلزمها قبول أخبار الولاة من حيث كانوا حكاما عليهم. يلزمهم إلتزام أحكامهم، وإنما لزمها ذلك من حيث أخبرت به الولاة عن النبي عليه السلام.
وذكر في شأن مسجد القبلتين وتحريم الخمر: أنه جائز قد كان تقدم عندهم الخبر بذلك من جهات أخرى، غير خبر المخبر الذي حكى إخباره، فلا دلالة فيه على أنهم عملوا لخبر الواحد.